﴿وَأُوْلَائِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾: "أولئك" مبتدأ و "هم" مبتدأ ثانٍ، و "المفلحون" خبره، والجملةُ خبر الأول، ويجوز أن يكونَ "هم" فصلاً أو بدلاً، والمفلحون: الخبر. ويفيدُ أيضاً التوكيدَ، وقد تقدَّم أنه يجوز أن يكون "أولئك" الأولى أو الثانية خبراً عن "الذين يؤمنون"، وقد تقدَّم تضعيفُ هذين القولين. وكَرَّرَ "أولئك" تنبيهاً أنهم كما ثَبَتَت لهم الأُثْرَةُ بالهُدَى ثَبَتت لهم بالفلاح، فجُعِلت كلُّ واحدةٍ من الأُثْرَتَيْنِ في تميُّزِهم بها عن غيرِهم بمثابةِ لو انفردت لَكَفَتْ مُمَيِّزة على حِدَتها.
وجاء هنا بالواو بين جملةِ قوله: ﴿أُوْلَائِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَائِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ بخلافِ قوله تعالى في الآية الأخرى: ﴿أُوْلَائِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَائِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾ لأن الخبرَيْن هنا متغايران فاقتضى ذلك العطفَ، وأما تلك الآيةُ الكريمةُ فإن الخبرَيْن فيها شيءٌ واحدٌ، لأن التسجيلَ عليهم بالغفلةِ وتشبيهَهم بالأنعام معنى واحدٌ وكانَتْ عن العطف بمَعْزَل، قال الزمخشري: "وفي اسم الإشارة الذي هو "أولئك" إيذانٌ بأنَّ ما يَرِد عقيبَه والمذكورين قبله أهلٌ لاكتسابهِ من أجل الخصال التي عُدِّدَت لهم، كقول حاتم: "وللهِ صعلوكٌ"، ثمَ عَدَّد له خِصالاً فاضلة، ثم عقَّبَ تعديدها بقوله:
١٣١- فذلك إن يَهْلِكْ فَحُسْنى ثناؤُه * وإن عاش لم يَقْعُدْ ضعيفاً مُذَمَّماً
والفلاحُ أصله الشَّقُّ، ومنه قوله: "إن الحديد بالحديد يفلح" ومنه قول بكر بن النطاح:
١٣٢- لاَ تَبْعَثَنَّ إلى ربيعةَ غيرَها * إن الحديدَ بغيرِه لا يُفْلِح
ويُعَبَّرُ به عن الفوز والظفر بالبُغْيَ وهو مقصودُ الآيةِ، ويُراد به البَقاءُ، قال:
١٣٣- لو أن حَيَّاً مُدْرِكُ الفَلاحِ * أَدْرَكه مُلاعِبُ الرِّماحِ
وقال آخر:
١٣٤- نَحُلُّ بلاداً كلُّها حَلَّ قبلَنا * ونرجو الفَلاَح بعد عادٍ وحِمْيَرِ