قوله: ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُواْ﴾ كقوله: ﴿لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ﴾ وقد تقدَّم؛ إلا أنَّه لم يُخْتلف هنا في رفع "البر"، لأنَّ زيادةَ الباءِ في الثاني عَيَّنت كونَه خبراً، وقد تقدَّم لنا أنها قد تُزادُ في الاسم ولا حاجة إلى إعادة ما تقدَّم.
وقرأ أبو عمرو وحفص وورش "البُيوت" و "بُيوت" بضمِّ الباء وهو الأصلُ، وقرأ الباقون بالكسرِ لأجلِ الياء، وكذلك في تصغيره، ولا يُبالَى بالخروجِ من كسرٍ إلى ضمٍ لأنَّ الضمةَ في الياءِ، والياءُ بمنزلة كسرتين فكانت الكسرةُ التي في الباء كأنها وَلِيَتْ كسرةً، قاله أبو البقاء.
و "مِنْ" في قولِه: "مِنْ ظهورِها" و "من أبوابها" متعلقةٌ بالإِتيان ومعناها ابتداءُ الغاية. والضميرُ في "ظهورها" و "أبوابِها" للبيوتِ، وجِيء به كضميرِ المؤنثةِ الواحدِ لأنه يجوزُ فيه ذلك.
وقوله: ﴿وَلَاكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى﴾ "كقوله: ﴿وَلَاكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ﴾ سواءٌ بسواء ولمَّا تقدَّم جملتانِ خبريتان، وهما: "وليس البرُّ" ﴿وَلَاكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى﴾ عُطِف عليهما جملتان أمريتان، الأولى للأولى، والثانية للثانية، وهما: "وَأْتُوا البيوت" "واتَّقوا الله". وفي التصريح بالمفعول في قوله: "واتقوا الله" دلالةٌ على أنه محذوفٌ من اتقى، أي: اتقى الله.
* ﴿ وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوااْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾
قوله تعالى: ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾: متعلِّقٌ بقاتِلوا، على أحد معنيين: إمَّا أن تقدِّر مضافاً، أي في نصرةِ سبيلِ الله، / والمرادُ بالسبيلِ: دينُ الله، لأنَّ السبيلَ في الأصلِ الطريقُ، فتُجُوِّز به عن الدينِ، لَمّا كان طريقاً إلى الله، وإمَّا أن تُضَمِّن "قاتلوا" معنى بالِغوا في القتالِ في نصرةِ دينِ الله. والذين يقاتلونكم "مفعولُ" قاتلوا.
(٢/٢٨٦)
---


الصفحة التالية
Icon