والحَصْرُ: المَنْعُ، ومنه قيل للمَلِك: الحَصِير، لأنه ممنوعٌ من الناس، وهل حُصِر وأُحْصِر بمعنىً أو بينما فرقٌ؟ خلافٌ بين أهلِ العلمِ. فقال الفراء والزجاج والشيباني إنهما بمعنىً، يُقالان في المرضِ والعَدُوِّ جميعاً وأنشدوا:
٨٧٣ - وما هَجْرُ ليلى أَنْ تكونَ تباعَدَتْ * عليكَ ولا أَنْ أَحْصَرَتْكَ شُغُولُ
وفَرَّق بعضُهم، فقال الزمخشري: يقال: أُحْصِر فلانٌ إذا معه أمرٌ من خوف أو مرض أو عجز، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾، وقال ابن ميادة: "وما هَجْرُ ليلى أن تكون تباعَدَتْ"، وحُصِر إذا حبسه عدوٌّ أو سجن، هذا هو الأكثرُ في كلامهم، وهما بمعنى المنع في كل شيء / مثل: صَدَّه وأصدَّه، وكذلك الفراء والشيباني، ووافقه ابن عطية أيضاً فإنه قال: "والمشهورُ من اللغة: أُحْصِر بالمرضِ وحُصِر بالعَدُوِّ. وعكس ابن فارس في "مجمله" فقال "حُصِر بالمرضِ وأُحْصِر بالعَدُوّ" وقال ثعلب: "حُصِر في الحَبْسِ أقوى من أُحْصِر"، ويقال: حَصِرَ صدرُه أي: ضاق؛ ورجل حَصِر: لا يبوحُ بسرِّه، قال جرير:
٨٧٤ - وَلَقَد تَكَنَّفني الوُشاةُ فصادَفُوا * حَصِراً بسرِّك يا أُمَيْمَ حَصُورا
والحَصيرُ معروفٌ لامتناعِ بعضه ببعض، والحصير أيضاً المِلك كما تقدَّم لاحتجابه. قال لبيد:
٨٧٥ -................... * جِنٌّ لدى باب الحصيرِ قِيامُ
قوله: ﴿مِنَ الْهَدْيِ﴾ فيه وجهان: أحدُهما: أن تكونَ "مِنْ" تبعيضيةً ويكونَ محلُّها النصبَ على الحال من الضمير المستتر في "اسْتَيْسر" العائدِ على "ما" أي: حالَ كَوْنِهِ بعض الهَدْي. والثاني: أن تكون "مِنْ" لبيان الجنس فتتعلَّقَ بمحذوفٍ أيضاً.
وفي الهَدْي قولان، أحدُهما: أنه جمعُ هَدْيَة كجَدْي جمع جَدْيَة السَّرْج. والثاني: أن يكونَ مصدراً واقعاً موقع المفعول أي: المُهْدَى، ولذلك يقعُ للأفرادِ والجمعِ. قال أبو عمرو بن العلاء: "لا أعْرف لهذه اللفظة نظيراً".
(٢/٢٩٤)
---