وقرأ الحسنُ والزهري "نُسْك" بسكون السين، وهو تخفيفُ المضموم. والأذى مصدرٌ بمعنى الإِيذاء وهو الألمُ، يقال: آذاه يُؤْذِيه إيذاءً وأذى، فكأنَّ الأذى مصدرٌ على حَذْفِ الزوائد أواسمُ مصدرٍ كالعطاء اسم للإِعطاء، والنبات للإِنبات.
وفي النُّسُك قولان، أحدُهما: أنه مصدرٌ يقال: نَسَكَ ينسُك نُسْكاً ونُسُكاً بالضم، والإِسكان كما قرأه الحسن. والثاني: أنه جمع نَسِيكة، قال ابن الأعرابي: "النَّسيكة في الأصل سَبيكة الفضة، وتُسَمَّى العبادةُ بها لأنَّ العبادة مُشْبِهَةٌ سبيبكة الفِضَّة في صفائها وخُلوصِها من الآثام، وكذلك سُمِّي العابدُ ناسكاً، وقيل للذَّبِيحة "نَسِيكة" لذلك".
قوله: ﴿فَإِذَآ أَمِنتُمْ﴾ الفاءُ عاطفةٌ على ما تقدَّم، و "إذا" منصوبةٌ بالاستقرار المحذوفِ؛ لأنَّ التقديرَ: فعليه ما اسْتَيْسَرَ، أي. فاستقرَّ عليه ما استيسر.
وقوله: ﴿فَمَن تَمَتَّعَ﴾ الفاءُ جوابُ الشرطِ بإذا، والفاءُ في قولِهِ: "فما استيْسَرَ" جوابُ الشرطِ الثاني. ولا نعلمُ خلافاً أنه يقعُ الشرطُ وجوابُهُ جواباً لشرطٍ آخرَ مع الفاءِ. وقد تقدَّم الكلامُ في "فما استَيْسَرَ" / فأغنى عن إعادته.
قوله: ﴿فَصِيَامُ﴾ في رفعِه الأوجهُ الثلاثةُ المذكورةُ في قولِهِ: "فَفِدْيَةٌ". وقرىء "فصيام" نصباً، على تقديرِ فَلْيَصُمْ، وأُضيف المصدرُ إلى ظَرْفِهِ معنىً، وهو في اللفظِ مفعولٌ به على السَّعِةِ. و "في الحج" متعلقٌ بصيام. وقَدَّر بعضُهم مضافاً أي: في وقتِ الحَجِّ. ومنهم مَنْ قَدَّر مضافين، أي: وقتَ أفعالِ الحَجِّ، ومنهم مَنْ قَدَّره ظَرفَ مكانٍ أي: مكانَ الحج، ويترتَّب على ذلك أحكامٌ.
(٢/٢٩٨)
---