قوله: ﴿فَمَنْ﴾: "مَنْ" يجوزُ فيها أن تكون شرطيةً، وأَنْ تكونَ موصولةً كما تقدَّم في نظائرها، و "فيهن" متعلِّقٌ بـ"فَرَضَ"، والضميرُ في "فيهن" يعودُ على "أشهر"، وجيء به كضمير الإِناث لما تَقَدَّم مِنْ أَنَّ جمعَ غير العالِ في القلَّةِ يُعامَل معاملةَ جمْعِ الإِناثِ على الأفصحِ، فلذلك جاء "فيهنَّ" دونَ "فيها"، وهذا بخلافِ قولِهِ ﴿مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾ لأنه هناك جمعُ كثرة.
قوله: ﴿فَلاَ رَفَثَ﴾ الفاءُ: إمَّا جوابُ الشرطِ، وإمَّا زائدٌ في الخبرِ على حَسَبِ النحويين المتقدمين. وقرأ أبو عمرو وابن كثير بتنوين "رفث" و "فُسوق" ورفعِهما وفتحِ "جدال"، والباقون بفتح الثلاثة، وأبو جعفر - ويروى عن عاصم - برفع الثلاثة والتنوين، والعطاردي بنصب الثلاثة والتنوين.
فأمَّا قراءة الرفع ففيها وجهان، أظهرُهما: أنَّ "لا" ملغاةٌ وما بعدها رفعٌ بالابتداء، وسَوَّغ الابتداء بالنكرةِ تقدُّم النفيِ عليها. و "في الحجّ" خبرُ المبتدأ الثالث، وحُذِفَ خبرُ الأولِ والثاني لدلالةِ خبرِ الثالثِ عليهما، أو يكونُ "في الحج" خبرَ الأول، وحُذِفَ خبرُ الثاني والثالث لدلالةِ خبرِ الأولِ عليهما، ويجوزُ أَنْ يكونَ "في الحج" خبرَ الثلاثة. ولا يجوزُ أن يكونَ "في الحج" خبرَ الثاني، وحُذِفَ خبرُ الأولِ والثالثِ لقُبْحِ مثل هذا التركيب، ولتَأْدِيَتِهِ إلى الفَصْلِ.
والثاني: أن تكون "لا" عاملَةً عملَ ليس، ولعلِمها عملَها شروطٌ: تنكيرُ الاسم، وألاّ يتقدَّم الخبرُ ولا يتنتقض النفيُ، فيكونُ "رفث" اسمَها وما بعدَه عطفٌ عليه، و "وفي الحجِّ" الخبرُ على حسَبِ ما تقدَّم من التقادير فيما قبلَه. وابنُ عطية جَزَمَ بهذا الوجهِ، وهو ضعيفٌ لأنَّ إعمالَ "لا" عَمَلَ ليس لم يَقُمْ عليه دليلٌ صريحٌ، وإنما أنشدوا أشياءَ محتملةً، أنشد سيبويه:
٨٨٠ - مَنْ صَدَّ عن نيرانِها * فأنا ابنُ قيسٍ لا براحُ
وأنشد غيره:
(٢/٣٠٣)
---