وأصل أَفَضْتُم: أَفْيَضْتُم فَأُعِلَّ كنظائره، بأَنْ نُقِلَتْ حركةُ حرفِ العلة على الساكنِ قبله فتحرَّك حرفُ العِلَّة في الأصلِ وانفتح ما قبله فَقُلِب ألفاً وهو من ذواتِ الياء من الفَيْض كما ذَكَرْتُ ذلك، ولا يكون من ذواتِ الواوِ من قولهم: فَوْضى الناسِ وهم أخلاطُ الناسِ بلا سائسٍ.
وعَرَفات اسمُ مكانٍ مخصوصٍ، وهل هو مشتقٌّ أو مرتجل؟ قولان أحدهما: أنه مرتجلٌ وإليه ذهب لزمخشري قال: "لأنَّ العَرَفَة لا تُعْرَف في أسماء الأجناس إلا أَنْ تكونَ جمعَ عرف". والثاني: أنه مشتقٌّ، واختُلِفَ في اشتقاقه، فقيل: من المعرفة لأن إبراهيم عليه السلام لَمَّا عَرَّفه جبريل هذه البقعة فقال: عَرَفْتُ عَرَفْتُ، أو لأنه عَرَّفَه بها هاجَرَ واسماعيلَ لَمَّا اخَّرجَتْهما سارةُ في غَيْبته فوجَدهما بها، أو لأنَّ آدم عَرَف بها حواء. وقيل: مشتقةٌ من العَرْف وهو الرائحةُ الطيبة، وقيل: من العُرْف وهو الارتفاعُ ومنه عُرْفُ الديك، وعرفات جمع عَرَفة في الأصل ثم سُمِّي به هذا الموضعُ، والمشهور أنَّ عرفات وعَرَفه واحد. وقيل: عَرَفةُ اسمُ اليومِ وعرفات اسمُ مكان، والتنوين في عَرَفات وبابِهِ فيه ثلاثةُ أقوال، أظهرُها: أنه تنوينُ مقابلةٍ، يَعْنُون بذلك أنَّ تنوينَ هذا الجمع مقابلٌ لنونِ جمع / الذكور، فتنوينُ مسلمات مقابل لنون مسلمين، ثم جُعِل كلُّ تنوينٍ في جمعِ الإِناث - وإن لم يكن لهنّ جمعٌ مذكرٌ - كذلك طَرْداً للباب. والثاني أنه تنوينُ صرفٍ وهو ظاهرُ قولِ الزمخشري فإنه قال: "فإن قلت: فهلاَّ مُنِعَت الصرفَ وفيها السببان: التعريفُ والتأنيثُ. قلت: لا يخلو التأنيثُ: إما أن يكونَ بالتاءِ التي في لفظِها مع الألف التي قبلها علامةُ جمعِ المؤنث، ولا يَصِحُّ تقديرُ التاءِ فيها، لأنَّ [هذه] التاء لاختصاصها بجمعِ المؤنثِ مانعةٌ من تقديرُها كما لا تُقَدَّر تاءُ التأنيث في بنت؛ لأنَّ التاءَ التي هي بدلٌ من الواو لاختصاصِها