و "من حيث" متعلِّقٌ بأَفيضوا، و "مِنْ" لابتداءِ الغايةِ، و "حيث" هنا على بابِها من كونِها ظرفَ زمانٍ، وقال القفال: "هي هنا لزمانِ الإِفاضة" وقد تقدَّم أن هذا قولُ الأخفش، وتقدَّم دليلُه، وكأن القفال رام بذلك التغايرَ بين الإِفاضتين ليقع الجوابُ عن مجيء "ثم" هنا، ولا يفيدُ ذلك لأن الزمان يستلزمُ مكانَ الفعلِ الواقعِ فيه.
و "أفاض الناسُ" في محلِّ جرٍّ بإضافة "حيثُ" إليها. والجمهورُ على رفعِ السين من "الناسُ". وقرأ سعيد بن جبير: "الناسي" وفيها تأويلان، أحدها: أنه يُراد به آدمُ عليه السلام، وأيَّدوه بقوله: ﴿فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً﴾. والثاني: أن يُراد به التاركُ للوقوف بمزدلفة، وهم جَمْعُ الناس، فيكون المرادُ بالناسي حنسَ الناسين. قال ابن عطية: "ويجوزُ عند بعضِهم حذفُ الياءِ، فيقول: "الناس كالقاضِ والهادِ" قال: أمّا جوازُه في العربية فذكره سيبويه، وأمّا جوازُه قراءَةً فلا أحفظه". قال الشيخ: "لم يُجِزْ سيبويه ذلك إلا في الشعر، وأجازه الفراء في الكلامِ، وأمّا قوله: "لم أحفظْه" قد حَفِظَه غيرُه، حكاها المهدوي قراءةً عن سِعيد بن جبير أيضاً.
قوله: ﴿وَاسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ﴾ "استغفر" يتعدَّى لاثنين أولُهما بنفسِه، والثاني "بـ"مِنْ"، نحو: استغفرتُ الله من ذنبي، وقد يُحْذَفُ حرفُ الجر كقولِه:
٨٩٠ - أستغفرُ اللهَ ذنباً لستُ مُحْصِيَه * ربُّ العبادِ إليه الوجهُ والعَمَلُ
(٢/٣١٤)
---