والهمزةُ في "أَنْذَرَ" للتعدية، وقد تقدَّم أنَّ معنى الاستفهام هنا غيرُ مرادٍ، فقال ابن عطية: "لفطهُ لفظُ الاستفهامِ ومعناه الخبرُ، وإنما جَرَى عليه لفظُ الاستفهام لأنَّ فيه التسويةَ التي هي في الاستفهامِ، ألا ترى أنَّك إذا قلتَ مُخْبراً: "سواءٌ عليَّ أقمت أم قَعَدْتَ"، وإذا قلتَ مستفهماً: "أَخَرَجَ زيدٌ أم قامَ"؟ فقد استوى الأمران عندكَ، هذان في الخبر وهذان في الاستفهام، وعَدَمُ عِلْمِ أحدِهما بعينِه، فَلمَّا عَمَّتْهُما التسويةُ جرى على الخبر لفظُ الاستفهامِ لمشاركتِه إياه في الإبهام، فكلُّ استفهامٍ تسويةٌ وإنْ لم تكن كلُّ تسويةٍ استفهاماً" وهو كلامٌ حسنٌ. إلا أنَّ الشيخَ ناقشه في قوله: "أأنْذَرْتَهُم أم لم تنذرْهم لفظُه لفظُ الاستفهام ومعناه الخبر" بما معناه: أنَّ هذا الذي صورتُه صورةُ استفهامٍ ليس معناه الخبرَ لأنه مقدَّرٌ بالمفردِ كما تقدَّم، وعلى هذا فليس هو وحدَه في معنى الخبر/ لأنَّ الخبرَ جملةٌ وهذا في تأويل مفردٍ، وهي مناقشةٌ لفظيةٌ.
ورُوِيَ الوقفُ على قولِه "أم لم تُنذِرْهم" والابتداء بقوله: "لا يؤمنون" على أنها جملةٌ من مبتدأ وخبرٍ، وهذا ينبغي أن يُرَدَّ ولا يُلْتفتَ إليه، وإنْ كانَ قد نقله الهذلي في "الوقف والابتداء" له.
وقرئ "أَأَنْذَرْتَهُمْ" بتحقيقِ الهمزتين وهي لغةُ بني تميمٍ، وبتخفيف الثانية بينَ بينَ وهي لغةُ الحجازِ، وبإدخالِ ألفٍ بين الهمزتين تخفيفاً وتحقيقاً، ومنه:
١٤٦- أيا ظبيةَ الوَعْساء بين جُلاجِلٍ * وبين النقا آأنتِ أَمْ أمِّ سالمِ
وقال آخر:
١٤٧- تطَالَلْتُ فاسْتَشْرَفْتُه فَعَرَفْتُهُ * فقلت له آأنتَ زيدُ الأرانبِ
(١/٧٤)
---