والتولِّي والسَّعْيُ يحتملان الحقيقةَ أي: تولَّى ببدنِهِ عنكَ وسعى بِقَدَمَيْهِ، والمجازَ بأن يريدَ بالتولِّي الرجوعَ عن القولِ الأولِ، وبالسعي العملَ والكَسْبَ من السَّعاية، وهو مجازٌ شائعٌ، ومنه: ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى﴾ وقال امرؤُ القيس:
٨٩٧ - فلو أنَّ ما أسْعى لأدنى معيشةٍ * كفاني ولم أَطْلُبْ قليلٌ من المالِ
ولكنَّمَا أسعى لمجدٍ مُؤثَّلٍ * وقد يُدْرِكُ المجدَ المؤثَّلَ أَمْثَالي
وقال آخر:
٨٩٨ - أسعى على حَيِّ بني مالِكِ * كلُّ امرىءٍ في شَأْنِهِ ساعي
والسَّعايَةُ بالقولِ ما يقتضي التفريقَ بين الأخِلاَّءِ، قال:
٨٩٩ - ما قلتُ ما قال وشاةٌ سَعَوْا * سَعْيَ عَدُوٍ بَيْنَنَا يَرْجُفُ
قوله: ﴿فِي الأَرْضِ﴾ "متعلِّقٌ بـ"سَعَىَ"، فإنْ قيل: معلومٌ أنَّ السَّعْيَ لا يكونُ إلاَّ في الأرضِ قيل: لأنه يُفيدُ العمومَ، كأنه قيل: أيَّ مكانٍ خَلَّ فيه من الأرضِ أفسدَ فيه، فَيَدُلُّ لفظُ الأرضِ على كثرة فسادِهِ، إذ يلزَمُ مِنْ عمومِ الظَّرفِ عمومُ المظروفِ، و "ليفسِدَ" متعلقٌ بـ"سعى" علةً له.
(٢/٣٣٠)
---