قوله: ﴿وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ﴾ الجمهورُ على: "يُهْلِكَ" بضم الياء وكسر اللامِ ونصبِ الكافِ. "الحَرْثَ" مفعولٌ به، وهي قراءةٌ واضحةٌ من: أَهْلَكَ يُهْلك، والنصبُ عطفٌ على الفعِل قبلَهُ، وهذا شبيهٌ بقولِهِ تعالى: ﴿وَمَلاائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ﴾ فإنَّ قولَه: "ليفسدَ" يشتملُ على أنه يُهْلكُ الحرثَ والنسلَ، فخصَّهُما بالذكر لذلك. وقرأ أُبيّ: "وليُهْلِكَ" لامِ العلة وهي معنى قراءةِ الجمهور، وقرأ أبو حيوة - ورُويت عن ابن كثير وأبي عمرو - "وَيَهْلِكَ الحرثُ والنَّسْلُ" بفتح الياء وكسرِ اللام من هَلَك الثلاثي، و"الحرث" فاعل، و "النسلُ" عطفٌ عليه. وقرأ قوم: "ويُهْلِكُ الحرثَ" من أَهْلَكَ، و "الحرث" مفعولٌ به إلا أنهم رفعوا الكافَ. وخُرِّجتْ على أربعةِ أوجهٍ: أن تكونَ عطفاً على "يُعْجِبُك" أو على "سَعَى" لأنه في معنى المستقبل، أو على خبر مبتدأٍ محذوفٍ أيك وهو يُهْلِكُ، أو على الاستئنافِ. وقرأ الحسن: "ويُهْلَكَ" مبنياً للمفعول، "الحَرْثُ" رفعاً، وقرأ أيضاً: "ويَهَلَكُ" بفتح الياء واللامِ ورفعِ الكافِ، "الحرثُ" رفعاً على الفاعلية، وفتحُ عينِ المضارعِ هنا شاذٌّ لفَتْحِ عينِ ماضِيهِ، وليس عينُهُ ولا لامُهُ حرفَ حلقٍ فهو مثلُ رَكَنَ يَرْكَنُ بالفتحِ فيهما. و "ألحَرثُ" تقدَّم.
والنَّسْلُ: مصدرُ نَسَلَ ينسُل أي: خَرَجَ بسرعة، ومنه: نَسَلَ وَبَرُ البعيرِ، ونَسَلَ ريشُ الطائِر أي: خَرَجَ وتطايَرَ، وقيل: النسلُ الخروجُ متتابعاً، ومنه: "نُسالُ الطائر" ما تتابعَ سقوطُهُ من ريشِهِ، قال امرؤُ القيس:
٩٠٠ - وإنهْ تَكُ قَدْ سَاءَتْكِ مني خليقَةٌ * فَسُلِّي ثيابي من ثيابِكِ تَنْسُلِ
وقوله: ﴿مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ﴾ يحتمِلُ المعنيين. و "الحرثَ والنسلَ" وإن كانا في الأصلِ مصدَرَيْنِ فإنهما هنا واقعان موقعَ المفعولِ به.
(٢/٣٣١)
---