قوله: ﴿كَآفَّةً﴾ منصوبٌ على الحالِ، وفي صاحبِها ثلاثةُ أقوالٍ، أحدُها: وهو الأظهَرُ أنه الفاعلُ في "ادخُلوا" والمعنى: ادخُلُوا السِّلْم جميعاً. وهذه حالٌ تُؤَكِّدُ معنى العمومِ، فإنَّ قولَكَ: "قام القومُ كافةً" بمنزلةِ: قاموا كلُّهم. والثاني: أنه "السِّلْم"، قاله الزمخشري وأبو البقاء، قال الزمخشري: "ويَجُوزُ أن تكونَ "كافةً" حالاً من "السِّلْمِ" لأنها تُؤَنَّثُ كما تُؤَنَّثُ كما تُؤَنَّث الحَرْبُ، قال الشاعر:
٩٠٨ - السِّلْمُ تأخذُ منها ما رَضِيتَ به * والحربُ يَكْفيكَ من أَنْفَاسِها جُرَعُ
على أنَّ المؤمنينَ أُمِرُوا أن يدخُلُوا في الطاعاتِ كلِّها، ولا يَدْخُلوا في طاعةٍ دونَ طاعةٍ، قال الشيخ: "تعليلُه كونُ "كافةً" حالاً من "السِّلم" بقولِه: "لأنها تُؤَنَّثُ كما تُؤَنَّثُ الحرب" ليس بشيء / لأنَّ التاءَ في "كافة" ليست للتأنيثِ، وإن كان أصلُها أَنْ تَدُلُّ عليه، بل صار هذا نقلاً مَحْضاً إلى معنى جميع وكل، كما صار قاطبةً وعامَّة إذا كانَ حالاً نَقْلاً مَحْضاً. فإذا قلت: "قامَ الناسُ كافً وقاطبةً" لم يَدُلَّ شيءٌ من ذلك على التأنيث، كما لا يَدُلُّ عليه "كُلّ" و "جميع".
والثالثُ: أن يكونَ صاحبُ الحالِ هما جميعاً، أعني فاعلَ "ادخُلُوا" و "السِّلْم" فتكونُ حالاً من شيئين. وهذا ما أجازه ابنُ عطية فإنه قال: "وتَسْتَغْرِفُ" "كافة" حينئذٍ المؤمنين وجميعَ أجزاءِ الشرع، فتكونُ الحالُ مِنْ شيئين، وذلك جائِزٌ نحو قولِهِ: ﴿فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ﴾. ثم قال بعد كلامٍ: "وكافةً معناه جميعاً، فالمرادُ بالكافة الجماعةُ التي تَكُفُّ مخالِفيها".
(٢/٣٣٧)
---