أي: وخالدٌ يحمَدُه /. وهذا نقلُ بعضِهم، وأمَّا ابنُ مالك فَنَقَل أنَّ المبتدأ إذا كانَ لفظَ "كُل" أو ما أشبهها في الانتقار والمعموم جازَ حَذْلإُ عائده المنصوب اتفاقاً من البصريين والكوفيين، ومنه: ﴿وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ﴾ في قراءة نافعٍ، وإذا كان المبتدأُ غيرَ ذلك فالكوفيون يَمْنَعُون ذلك إلاَّ في السَّعَةِ، والبصريُّون يُجيزونه بضعفٍ، ومنه: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ﴾ برفع "حكم". فقد حَصَل أنَّ الذي أجازَه ابن عطية ممنوعٌ عند الكوفيين ضعيفٌ عند البصريين.
وهل "كَمْ" هذه استفهاميةٌ أو خبريةٌ؟ الظاهرُ الأولُ، وجَوَّزَ الزمخشري فيها الوجهين، ومَنَعَه الشيخُ من حيث "إنَّ" كَمْ" الخبرية مستقلةٌ بنفسها غيرُ متعلقةٍ بالسؤال، فتكونُ مفلتةً مِمّا قبلها، والمعنى يؤدِّي إلى انصاب السؤال عليها، وأيضاً فَيَحْتَاج إلى حَذْفِ المفعول الثاني للسؤالِ تقديرُه: سَلْ بَنِي إسرائيل عن اآيات التي آتيناهم، ثم قال: كثيراً من الآيات التي آتيناهم، والاستفهاميةُ لا تحتاجُ إلى ذلك.
و "من آيةٍ" فيه وجهان، أحدُهما: أنها مفعولٌ ثانٍ على القولِ بأن "كم" منصوبةٌ على الاشتغال كما تقدَّم تحقيقُه، ويكون مميِّز "كم" محذوفاً، و "مِن" زائدةٌ في المفعول؛ لأنَّ الكلام غيرُ موجب إذ هو استفهامٌ. وهذا إذا قلنا إنَّ "كم" استفهاميةٌ لا خبريةٌ، إذ الكلام مع الخبرية إيجابُ، و "مِنْ" لا تُزادُ في الواجب إلا على رأي الأخفش والكوفيين، بخلاف ما إذا كانت استفهاميةً. قال الشيخ: "فيمكن أن يجوزَ ذلك فيه لانسحابِ الاستفهام على ما بعده وفيه بُعْدٌ، لأنَّ متعلَّقَ الاستفهامِ هو المفعولُ الأول لا الثاني، فلو قلت: "كم من درهمٍ أعطيتهُ من رجلٍ" على زيادةِ "من" في "رجل" لكان فيه نظرٌ" انتهى.
(٢/٣٤٥)
---