والثاني: أنها تمييزٌ، ويجوزُ دخولُ "مِنْ" على ممِّز "كم" استفهاميةٌ كانت أو خبريةً مطلقاً، أي: سواءً وليها مميِّزها أم فُصِل بينهما بجملةٍ أو ظرفٍ أو جارٍ ومجرورٍ، على ما قَرَّره النحاةُ. و "كم" وما في حَيِّزها في محلِّ نصب أو خفضٍ، لأنها في محلِّ المفعول الثاني للسؤال فإنه يتعدَّى لاثنين: إلى الأول بنفسه وإلى الثاني بحرفِ جَر: إمّا عن وإمَّا الباء نحو: سألته عن كذا وبكذا، قال تعالى: ﴿فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً﴾، وقد جُمِع بينهما في قوله:
٩١٦ - فَأَصْبَحْنَ لا يَسْأَلْنني عن بما بِه *.......................
وقد يُحْذَفُ حرفُ الجرِّ، فمِنْ ثَمَّ جاز في محلِّ "كم" النصبُ والخفضُ بحسَبِ التقديرين و "كم" هنا معلِّقةٌ للسؤال، والسؤالُ لا يُعَلَّقُ إلا بالاستفهامِ كهذه الآية، وقوله تعالى: ﴿سَلْهُمْ: أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ﴾ وقوله:
٩١٧ - يا أيُّها الراكبُ المُزْجِي مَطِيَّتَه * سائلْ بني أسدٍ ما هذه الصَّوْتُ
وقال آخر: ٩١٨ -..................... * واسألْ بمَصْقَلَةَ البَكْرِيِّ ما فَعَلا
وإنما علَّق السؤالَ وإن لم يكن من أفعال القلوب، قالوا: لأنه سببٌ للعلمِ والعلمُ يُعَلَّق فكذلك سَبَبُه، وإذا كانوا قد أَجْرَوا نقيضه في التعليق مُجْراه في قوله:
٩١٩ - وَمَنْ أنتُمُ إنَّا نسِينا مَنَ أَنْتُمُ * وريحُكمُ من أيِّ ريحِ الأَعاصِرِ
فإجراؤهم سبَبَه مُجْراه أَوْلى.
واختلفِ النحويون في "كم": هل بسيطةٌ أو مركبةٌ من كافِ التشبيه وما الاستفهاميةُ حُذِفَتْ ألفُها لانجرارِها، ثم سُكِّنَتْ ميمُها، كما سُكِّنَّتْ ميمُ "لِمْ" من "لِمْ فَعَلْتَ كذا" في بعض اللغاتِ، فَرُكِّبتا تركيباً لازماً؟ والصحيحُ الأول. وأكثرُ ما تجيء في القرآنِ خبريةً مراداً بها التكثيرُ ولم يأتِ مميِّزُها في القرآنِ إلا مجروراً بِمِنْ.
(٢/٣٤٦)
---