والألفُ واللامُ في "الكتاب" يجوزُ أَنْ تكونَ للعهدِ بمعنى أنه كتابُ معينٌ كالتوراةِ مثلاً، فإنها أُنْزِلَتْ على موسى وعلى النبيين بعدَه، بمعنى أنَّهَم حَكَموا بها، واستداموا على ذلك، وأَنْ تكونَ للجنس، أي: أنزلَ مع كلِّ واحدٍ منهم من هذا الجنسِ. وقيل: هو مفردٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الجَمْعِ، أي: وأَنْزَلَ معهم الكُتُبَ وهو ضعيفٌ.
وهذه الجملةُ معطوفةٌ على قولِهِ: "فَبَعَثَ" لا يُقال: البشارة والنِّذارة ناشئةٌ عن الإِنزال فكيفَ قُدِّما عليه؟ لأنا لا نُسَلِّم أنَّهما إنما يكونَان بإنزالِ كتابٍ، بل قد يكونَانِ بوحيٍ من اللَّهِ تعالى غير مَتْلُوٍّ ولا مَكْتُوبٍ. ولئن سَلَّمنا ذلك، فإنَّما قُدِّما لأنهما حالان من "النبيين" فالأَوْلَى اتَّصالُهُما بهم.
قوله: ﴿بِالْحَقِّ﴾ فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أن يكونَ متعلِّقاً بمحذوف على أنه حالٌ من الكتابِ أيضاً عند مَنْ يُجَوِّزُ تعَدُّدَ الحالِ وهو الصحيحُ. والثاني: أن يتعلَّق بنفسِ الكتابِ لما فيه من معنى الفعلِ، إذ المرادُ به المكتوبُ. والثالث: أن يتعلَّق بأنزالَ، وهذا أَوْلَى لأنَّ / جَعْلَه حالاً لا يَسْتَقِيم إلا أَنْ يكونَ حالاً مؤكدةً، إذ كُتُب اللَّهِ تعالى لا تكونُ ملتبسةً بالحقِّ، والأصلُ فيها أَنْ تكونَ منتقلةً، ولا ضرورةَ بنا إلى الخروج عن الأصلِ. ولأنَّ الكتابَ جارٍ مَجْرى الجوامِدِ.
(٢/٣٥٢)
---


الصفحة التالية
Icon