[قوله]: ﴿قُلْ مَآ أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ﴾ يجوزُ في "ما" وجهان، أحدُهما: أن تكونَ شرطيةً، وهو الظاهرُ لتوافق ما بعدها، فـ"ما" في محلِّ نصبٍ مفعولٌ مقدَّمٌ واجبُ التقديمِ، لأنَّ له صدرَ الكلامِ. و "أنفقْتُمْ" في محلِّ جزمٍ بالشرطِ، و "مِنْ خيرٍ" تقدَّم إعرابُه في قوله: ﴿مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ﴾ وقوله: ﴿فَلِلْوَالِدَيْنِ﴾ جوابُ الشرطِ، وهذا الجارُ خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ أي: فمَصْرِفُه للوالدَيْن، فيتعلَّقُ بمحذوفٍ: إمَّا مفردٌ وإمَّا جملةٌ على حَسَبِ ما ذُكِر من الخلافِ فيما مَضَى. وتكونُ الجملةُ في محلِّ جزمٍ بجوابِ الشرطِ. والثاني: أن تكونَ "ما" موصولةً، و "أنفقتم" صلتُها، والعائدُ محذوفٌ لاستكمالِ الشروطِ، أي: الذي أنفقتموه. والفاءُ زائدةٌ في الخبرِ الذي هو الجارُّ والمجرورُ. قال أبو البقاء في هذا الوجهِ: "ومِنْ خيرٍ يكونُ حالً من العائدِ المحذوفِ".
وهم إنما سألوا عن المُنْفَقِ، فكيف أُجيبوا ببيانِ المَصْرِفِ للمُنْفِقِ عليه؟ فيه أجوبةٌ منها: أنَّ في الآيةِ حَذْفاً وهو المُنْفَقُ عليه فَحُذف، تقديره: ماذا ينفقون ولِمَنْ يُعْطونه، فجاء الجوابُ عنهما، فأجابَ عن المُنْفَقِ بقوله: "مِنْ خيرٍ" وعن المُنْفقِ عليه بقوله: "فللوالدَيْن" وما بعده. ومنها: أن يكون "ماذا" سؤالاً عن المَصْرِفِ على حَذْفِ مضافٍ، تقديرُه: مَصْرِفُ ماذا يُنْفقون؟ ومنها: أن يكونَ حَذَفَ من الأولِ ذِكْرَ المَصْرِفِ ومن الثاني ذِكِرَ المُنْفَقِ، وكلاهما مرادٌ، وقد تقدَّم شيءٌ من ذلك في قولِه تعالى: ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ﴾. وقال الزمخشري: قد تضمَّن قولُه: ﴿مَآ أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ﴾ بيانَ ما يُنفقونه. وهو كلُّ خيرٍ؛ وبُني الكلامُ على ما هو أَهَمُّ وهو بيانُ المَصْرِفِ، لأنَّ النفقة لا يُعْتَدُّ بها أَنْ تقعَ موقِعَها. [قال]:
(٢/٣٦٢)
---