واختلف النحويون في ذلك، فذهب أهلُ البصرةِ إلى أنَّ المُتَعَلَّقَ به اسمٌ، وذهب أهل الكوفة إلى أنه فِعْلٌ، ثم اختَلَفَ كلٌ من الفريقين: فذهب بعضُ البصريين إلى أنَّ المحذوفَ مبتدأٌ حُذِفَ هو وخبرهُ وبقي معمولُه، تقديره: ابتدائي باسم الله كائنٌ أو مستقرٌ، أو قراءتي باسم الله كائنةٌ أو مستقرة. وفيه نظرٌ من حيث إنه يلزمُ حَذْفُ المصدرِ وإبقاءُ معمولِه وهو ممنوعٌ، وقد نص مكي على مَنْع هذا الوجهِ. وذهبَ بعضُهم إلى أنه خبرٌ ممنوعٌ، وقد نص مكي على مَنْع هذا الوجهِ. وذهبَ بعضهُم إلى أنه خبرٌ حُذِف هو ومبتدؤه أيضاً وبقي معمولُه قائماً مَقامَه، والتقدير: ابتدائي كائنٌ باسمِ الله، أو قراءتي كائنةٌ باسم الله نحو: زيدٌ بمكةَ، فهو على الأول منصوبُ المحلِّ وعلى الثاني مرفُوعه لقيامِهِ مقامَ الخبر. وذهب بعضُ الكوفيين إلى أنَّ ذلك الفعلَ المحذوفَ مقدَّرٌ قبله، قال: لأنَّ الأصلَ التقديمُ، والتقدير: أقرأُ باسم الله أو أبتدئُ باسم الله. ومنهم مَنْ قدَّر بعده: والتقدير: باسم الله أقرأ أو أبتدئ أو أتلو، وإلى هذا نجا الزمخشري قال: "ليفيدَ التقديمُ الاختصاصَ لأنه وقع ردًّا على الكفرة الذين كانوا يبدؤون بأسماءِ آلهتهم كقولهم: باسم اللات، باسم العُزَّى، وهذا حسنٌ جداً، ثم اعترض على نفسِه لقولِه تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ حيث صَرَّح بهذا العامل مُقَدَّماً على معمولِه، ثم أجاب بأنَّ تقديمَ الفعل في سورة العلق أوقعُ لأنها أولُ سورةٍ نَزَلَت فكان الأمرُ بالقراءة أهمَّ". وأجاب بأنَّ بـ "اسم ربك" ليس متعلقاً بـ "اقرأ" الذي قبله، بل بـ "اقرأ" الذي بعده، فجاء على القاعدة المتقدمة. وفي هذا نظرٌ لأن الظاهرَ على هذا القول أن يكون "اقرأ" الثاني توكيداً للأول فيكون قد فَصَلَ بمعمول المؤكِّد بينه وبين ما أكَّده مع الفصل بكلامٍ طويل.
(١/٨)
---