و "مِنْ" في "مِنَ الناس" للتبعيض، وقد قومٌ أنها للبيان وهو غَلَطٌ لعدم تقدُّم ما يتبيَّن بها. و "الناس" اسمُ جمع لا واحدَ له مِنْ لفظه، ويرادفُهُ "أناسِيٌّ" جمع إنسان أو إِنْسِيّ، وهو حقيقةٌ في الآدميين، ويُطْلق على الجن مجازاً. واختلف النحويون في اشتقاقه: فمذهبُ سيبويه والفراء أنَّ أصلَه همزةٌ ونون وسين والأصل: أناس اشتقاقاً من الأنس، قال:
١٦١- وما سُمِّي الإنسانُ إلا لأُِنْسِه * ولا القلبُ إلا أنه يَتَقَلَّبُ
لأنه أَنِس بحواء، وقيل: بل أَنس بربه، ثم حُذفت الهمزة تخفيفاً، يدلُّ على ذلك قوله:
١٦٢- إنَّ المَنايا يَطَّلِعْـ * ـنَ على الأُناس الآمنينا
وقال آخر:
١٦٣- وكلُّ أُناسٍ قاربوا قَيْدَ فَحْلِهِمْ * ونحنُ خَلَعْنا قيدَه فهو سارِبُ
وقال آخر:
١٦٤- وكلُّ أُناسٍ سوف تَدْخُل بينهم * دُوَيْهِيَّةٌ تَصْفَرُّ منها الأنامِلُ
وذهب الكسائي إلى أنه من نون وواو وسين، والأصلُ: نَوَسَ، فَقُلبت الواوُ ألفاً لتحرُّكها وانفتاح ما قبلها، والنَّوْس والحركةُ. وذهب بعضُهم إلى أنه من نون وسين وسين وياء، والأصل: نَسِي، ثم قُلِبَتْ اللامُ إلى موضع العين فصار نَيَساً، ثم قُلبت الياء ألفاً في نوس، قال: سُمُّوا بذلك لنِسْيانهم ومنه الإنسان لنسيانه، قال:
١٦٥- فإنْ نَسِيْتَ عُهوداً منك سالفةً * فاغفرٍ فأولُ ناسٍ أولُ الناس
ومثله:
١٦٦- لا تَنْسَيَنْ تلك العهودَ فإنما * سُمِّيتَ إنساناً لأنك ناسِي
فوزنُه على القول الأول: عال، وعلى الثاني، فَعَل، وعلى الثالث: فَلَع بالقلب.
(١/٨٢)
---


الصفحة التالية
Icon