وإذا تقرَّر ما ذَكَرْتُ لك فاعلمْ أنَّ أهلَ العلمِ اختلفوا في إطلاقِه على الحيضِ والطُّهر: هل هو من بابِ الاشتراكِ اللفظي، ويكونُ من الأضدادِ أو مِنَ الاشتراكِ المعنوي فيكونُ من المتواطِىء، كما إذا أَخَذْنا القَدْرَ المشتركَ: إمَّا الاجتماعَ وإمَّا الوقتَ وإمَّا الخروجَ ونحوَ ذلك. وقَرْءُ المرأةِ لوقتِ حَيْضِها وطُهْرِها، ويُقال فيهما: أَقْرتْ المرأةُ أي: حاضَتْ أو طَهُرت. وقال الأخفش: أَقْرَأَتْ أي: صارَتْ ذاتَ حيضٍ، وقَرَأَت بغير ألفٍ أي: حاضَتْ. وقيل: القَرْءُ: الحَيْضُ مع الطهرِ، وقيل: ما بَيْنَ الحَيْضَتين. وقيل: أصلُه الجمعُ، ومنه: قَرأْتُ الماءَ في الحوضِ: جَمَعْتُه، ومنه: قرأ القرآنَ: وقولُهم: ما أَقْرَأَتْ هذه الناقةُ في بطنِها سلاقِط، أي: لم تجمعْ فيه جنيناً، ومنه قولُ عمرو بن كلثوم:
٩٧٢ - ذِرَاعَيْ عَيْطَلٍ أدماءَ بِكْرٍ * هِجانِ اللونِ لَم تَقْرأْ جَنِينَا
وعلى هذا إذا أُريد به الحيضُ فلاجتماعِ الدمِ في الرحمِ، وإذا أُريدَ به الطُّهرُ فلاجتماع / الدم في البدنِ، ولكنَّ القائلَ بالاشتراكِ اللفظي وجَعْلِها من الأضدادِ هم جمهورُ أهلِ اللسانِ كأبي عمرو ويونس وأبي عبيدة.
ومن مجيء القَرْء والمرادُ به الطُّهرُ قولُ الأعشى:
٩٧٣ - أفي كلِّ عامٍ أنتَ جاشِمُ غَزْوَةٍ * تَشُدُّ لقْصاها عظيمَ عَزائِكا
مُوَرِّثَةً عِزَّاً في الحي رفعةً * لِما ضاعَ فيها مِنْ قُروءِ نِساءكا
ومن مجيئِه للحيضِ قولُه:
٩٧٤ - يا رُبَّ ذي ضِغْن عليَّ فارِضِ * له قُروءٌ كقُروءِ الحائِضِ
أي: فسالَ دَمُه كدمِ الحائضِ. ويقال "قُرْ" بالضمِّ نقله الأصمعي، و "قَرْ" بالفتح نقله أبو زيد، وهما بمعنى واحدٍ.
(٢/٤١٣)
---


الصفحة التالية
Icon