فقوله: : متى يسترفدِ القوم أرفدِ" ليس ذداً ولا نقيضاً لما قبله، ولكنه خلافُه. قال بعضهم: وهذا لا دليلَ فيه على المُدَّعِي، لأنَّ قولَه: "لستُ بحلاَّل التِّلاعِ لبيته" كنايةٌ عن نفي البخلِ أي: لا أَحُلُّ التلاعَ لأجلِ البخلِ، وقوله: "متى يسترفد القوم أرفد" كنايةٌ عن الكرم، فكأنه قال: لست بخيلاً ولكن كريماً، فهي هنا واقعةٌ بين ضِدَّيْنِ. ولا تعملُ مخفَّفةً خلافاً ليونس، ولها أحكامٌ كثيرة.
ومعنى الاستدراكِ في هذه الآيةِ يحتاجُ إلى فَضْلِ تأمُّلٍ ونَظَر، وذلك أنهم لَمَّا نُهُوا عن اتخاذِ مثلِ ما كانوا يتعاطَوْنه من الإفساد فقابلوا ذلك بأنهم مصلحون في ذلك، وأخبر تعالى بأنهم هم المفسدون، كانوا حقيقين بأن يَعْلَموا أن ذلك كما أخبر تعالى وأنهم لا يَدَّعُون أنه مصلحون، فاستدرك عليهم هذا المعنى الذي فاتَهم من عدمِ الشعورِ بذلك، ومثلُه قولك: "زيدٌ جاهلٌ ولكن لا يعلم"، وذلك أنه من حيث اتصف بالجهل، وصار الجهلُ وصفاً قائماً به كما ينبغي أن يَعْلَمَ بهذا الوصفِ من نفسه، لأن الإنسانَ ينبغي له أن يعلم ما اشتملَتْ عليه نفسُه من الصفات فاستدؤكْتَ عليه أن هذا الوصفَ القائمَ به لا يعلمه مبالغةً في جَهْله.
ومفعول "يَشْعرون" محذوف: إمَّا حذفَ اختصار، أي: لا يشعرون بأنهم مفسدون، وإمَّا حذفَ اقتصار، وهو الأحسنُ، أي ليس لهم شعورٌ ألبتة.
* ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَآ آمَنَ النَّاسُ قَالُوااْ أَنُؤْمِنُ كَمَآ آمَنَ السُّفَهَآءُ أَلاا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَآءُ وَلَاكِن لاَّ يَعْلَمُونَ ﴾
قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ: آمِنُواْ﴾: الكلامُ عليها كالكلامِ على نظيرتِها قبلها. وآمِنُوا فعل وفاعل والجملةُ في محلِّ رفع لقيامها مقامَ الفاعلِ على ما تقدَّم في ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ: لاَ تُفْسِدُواْ﴾ والأقوالُ المتقدمة هناك تعودُ عهنا فلا حاجة لذِكْرِها.
(١/٩٩)
---


الصفحة التالية
Icon