والقراءات لم تخرج عن سنن العرب في كلامها، والذي عليه أكثر أهل العلم أن الله تعالى خاطب الناس بلسان العرب المبين، وفيه الحقيقة والمجاز، فاحتاج إلى التفسير، والتفسير كان في بداية نشأته يدور على ألسنة رجال اللغة، وكانت القراءات الحقل الذي برز فيه العديد من اللغويين، لأنهم هم الذين اشتغلوا بتوجيهها وتوظيفها في مجال التفسير، كما أن الدراسات البلاغية والبيانية والنقدية كانت كلها بين أيدي اللغويين والأدباء من أصحاب البيان، كابن سلام الجمحى وابن قتيبة والجاحظ وغيرهم. ومعلوم أن اللغة أو علم العربية هو العمود الفقري الذي يقوم عليه علم التفسير، وذلك لأن الله تعالى أنزل كتابه بالعربية، فقال تعالى :(بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُّبينٍ)(١)، وقال تعالى: (إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلونَ)(٢).
ولهذا بذل العلماء القدامى جهودهم في معرفة معاني كلام العرب، وأساليب مخاطباتهم،
وطرق محاوراتهم، وحفظ أشعارهم وخطبهم، وقد حث الصحابة على فعل هذا واستحسنوه، كما كان يصنع عمر بن الخطاب.
ويظهر من هذا أن التفسير القرائي هو نوع من أنواع التفاسير التي وردت عن العلماء بلغة التنزيل، وقد قسم الإمام ولي الله الدهلوي المفسرين إلى أصناف، وذكر منهم تفسير القراء الماهرين، وهم الذين اهتموا برواية القراءات المأثورة عن شيوخهم في القرآن الكريم، ولم يدعوا دقيقا ولا جليلا في هذا الباب إلا جاءوا به.

(١) سورة الشعراء : آية ١٩٢
(٢) سورة الزخرف : آية ٢


الصفحة التالية
Icon