ونزول القرآن باللسان العربي منح هذا اللسان حياة أبدية، ولا يعرف تاريخ البشرية لغة اتصلت حياتها بكتاب مقدس كما تتصل حياة العربية بالقرآن، وقد اكتسبت قدسيتها من قدسيته. ومن هذا المنطلق كان لدراسة اللهجات حضور في مجال القراءات المفسرة، لأنها تمثل الواقع اللغوي للعربية بلهجاتها المختلفة والمتنوعة، وقد كان لاختلاف اللهجات دور كبير في اختلاف معاني القراءات. وكل ما وردت به القراءة من الوحي جاز الاحتجاج به في العربية، سواء كان متواترا أم شاذا، ولكن القراءة الشاذة كان لها النصيب الأوفر في مجال الاحتجاج، لأن الناس قد أطبقوا على الاحتجاج بها أكثر من غيرها، ولو خالفت أقيسة العربية المعروفة، فهي قد جاءت منقولة مروية، والرواية تبلغ بها عصر الرسول صلى الله عليه وسلم، بل إنها لم تفرد بالتشذيذ إلا بعد ما خرج ابن مجاهد على الناس بكتاب "السبعة في القراءات".