وتعتبر القراءات بجميع أنواعها أكثر أصالة في حياة اللغة العربية، لأنها تمثل لغة الوحي، ولغة مبلغ الوحي صلى الله عليه وسلم، ولغة صحابته من جميع القبائل والبطون. ولقد نزل الوحي بلغة العرب المشتركة حتى ترى فيه كل قبيلة أنها ترتبط بهذا الكتاب العزيز برباط لغوي، مثلما هي مرتبطة برباط عقدي ورباط نفسي، ووراء ذلك كله حكمة الله الذي أحسن كل شيء خلقه.
ووظيفة القراءات في التفسير تنبني على إظهار قيمة الأساليب اللغوية في القرآن الكريم، وقد وقفت على ذلك من خلال تتبعي لجميع القراءات المفسرة بالجمع والإحصاء، وتوصلت من خلال ذلك إلى أن القراءات القرآنية بوسعها وحدها أن تشكل تفسيرا للقرآن يعتمد التحليل والاستقراء، وهو تفسير يغوص في منطوق الآيات ليستخرج منها المعنى العميق والشامل، والذي ينسجم مع أغلب الاتجاهات في التفسير، كما ينسجم مع تأويل أهل العلم بالقرآن.
وأستطيع أن أوجز بأن القراءات القرآنية تقوم في عموم أسلوبها على تغيير في الحركات، وتغيير في الأبنية والصيغ، وتغيير في الألفاظ، وتغيير في الأصوات، وكل هذا يدل على تنوع في الأوجه التي نزل بها القرآن، والتي كان من أهدافها التوسعة على الناس، رحمة بهم في غير تضاد ولا تناقض، بل في تكامل وتناسق تامين، لأن القرآن يشد بعضه بعضا كالبنيان المرصوص، ويتناسق في مضمونه، ويتناغم في أسلوبه، ليجد فيه كا إنسان مبتغاه، وتحقيقا لما أراد الله من أن يصل خطابه إلى العالمين كافة، (وَمَا أَرْسَلْناكَ إِلا َّكَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرا وَنَذِيرا)(١).
وفي كل وجه من أوجه القراءة تفسير وبيان، وفي كل تنوع في الأساليب غناء ومزيد توضيح، وفي كل تغيير في الإعمال وفي الاستعمال معنى جديد وتقوية لمعنى سابق.