والاهتمام بالقراءات المفسرة يستدعي منطقيا الاهتمام باللغة والنحو، والنحاة يقولون : التفسير موافقة العربية، لأن الاهتمام بضبط اللغة والأسلوب، يقصد أساسا إلى ضبط المعنى والدلالة. ولقد بذل النحاة جهودا صادقة وجليلة في خدمة النص القرآني، استطاعت أن تغطي عن المواقف الحرجة والمجرحة للقراء، وأدت في الأخير إلى تحسين العلاقة بين النحاة والقراء، وخاصة بعد تأليف ابن مجاهد لكتابه " السبعة في القراءات"، وتلقي الناس لعمله بالقبول، حيث تغيرت نظرة النحاة تجاه قراءات القراء، وتغير تعاملهم معها نحو الإيجابية والقبول، مما جعلهم يبدأون على سبيل التدريج في تكييف القواعد النحوية مع أوجه القراءات. وقد عادت هذه النظرة من النحاة إلى الأصل الذي نشأت منه علاقة النحو بالقراءة، حيث كانا يسيران في اتجاه واحد، وهو حفظ النص القرآني من اللحنين الجلي والخفي، وتوزعت الأدوار بينهما، فتصدى النحو لمكافحة اللحن الجلي، وهو لحن الإعراب، وتصدت القراءة للحن الخفي، وهو لحن الأداء. وكان الاشتغال بدفع اللحن عن القراءات بنوعيه، هو السبب في ظهور الاحتجاج للقراءات، لأن كثيرا من النحاة، وخاصة البصريين كانوا يتوهمون وجود اللحن في القراءات، مما سوغ لهم الطعن فيها.


الصفحة التالية
Icon