وهذا ما وعاه المازني عندما سأله الأصمعي فقال :"ما تقول في قول الله عز وجل :(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ)(١)؟، فأجابه المازني وقال : يذهب سيبويه إلى أن الرفع فيه أقوى من النصب في العربية لاشتغال الفعل بالضمير، ولأنه من مواضع الابتداء، فهو كقولك : زيد ضربته، وليس هناك شيء هو بالفعل أولى، ولكن أبى القراء إلا النصب، والقراءة سنة متبعة"(٢). ولعل هذا يدل برمته على أنه لا يوجد في القرآن حرف واحد إلا وله وجه في العربية، لأن القراءة قد تأتي على القليل وعلى المرجوح في الاستعمال العربي، والقراءات كلها لهجات عربية ثابتة، فلا ينبغي أن يخطأ بها القارئ أو يغلط(٣).
ولا شك أن هذا كله دليل قاطع على حفظ الله تعالى لكتابه، الذي قال في حقه :(إِنَّا نَحْنُ نضزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظونَ)(٤)، ومن حفظه أيضا اعتماده على التلقي المباشر من الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى حفظ الصدور، فعلى الرغم من تدوين عثمان بن عفان للقرآن في المصحف الإمام، لم يتحول الأساس في تلاوته يوما إلى الاعتماد على المصحف المكتوب، بل ظل الاعتماد على الرواية بالسند الصحيح المتواتر، فكان الأساس دائما يعتمد الرواية عن رسول الله، وقد تلقاه عنه أصحابه شفويا، وعنهم تلقاه التابعون، وتوالى ذلك جيلا بعد جيل، ثم تجرد قوم منذ الصدر الأول في كل مصر من الأمصار لتلاوة القرآن وإقرائه وتعليمه، وضبط ذلك كله والعناية به، بالتلقي الشفوي المتواتر عن رسول الله، فكانت قراءات القرآن سنة يتبع فيها الخالف السالف(٥).

(١) سورة القمر : آية٤٩
(٢) المحتسب : ٢/٣٠٠
(٣) البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي : ١/١٥٢
(٤) سورة الحجر : آية٩
(٥) السبعة لابن مجاهد : ١٠-١٢


الصفحة التالية
Icon