وأبادر إلى القول بأن هذا البحث قد انبثقت فكرته الأساسية من تصحيح هذا الرأي الذي ظل سائدا في أوساط المهتمين بالقراءات والمشتغلين عليها، ولقد مكنني الاشتغال بتوجيه القراءات من أن أقف على توظيف كل أنواعها في التفسير من غير استثناء. وقد لا يكون للقراءة دور في التفسير عندما لا يكون لها تعلق به، كالقراءات المتعلقة بوجوه النطق بالحروف والحركات، بما لا يغير من صورة الكلمة ولا يغير من معناها، ومن ذلك مثلا بعض مقادير المد والإمالة والتخفيف والتسهيل والتحقيق والجهر والهمس والغنة، وتعدد بعض وجوه الإعراب، نحو قوله تعالى :(عَذابِي)(١)، بسكون الياء وفتحها، و(حَتَّى يَقُول الرَّسولُ)(٢)، بفتح لام يقول ورفعها. وقد يكون لاختلاف القراءات في الحركات أو في حروف الكلمات تعلق بالتفسير، من مثل قوله تعالى :(يَصدُّونَ)(٣)، بفتح الصاد وكسرها، لأن القراءة بالفتح معناها صدهم لغيرهم عن الإيمان، والقراءة بالكسر معناها صدودهم في أنفسهم، وكلا المعنيين حاصل منهم، ومن مثل قوله تعالى :(كذبُواْ)(٤)، بتشديد الذال وتخفيفها، وظاهر من التشديد معنى المبالغة الذي لا يوجد في التخفيف.

(١) سورة الأعراف : آية ١٥٦
(٢) سورة يوسف : آية ١١٠
(٣) سورة البقرة : آية ٢١٤
(٤) سورة الزخرف : آية ٨٧


الصفحة التالية
Icon