... وتخلص بنا القراءات المفسرة إلى أن القرآن كلام الله تعالى، يفسر بعضه بعضا، لأنه يشهد بعضه لبعض، ويحتج بعضه لبعض. فهو كلام الله المتصف بصفة الربانية، والمنزل على خير البرية، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من عزيز حكيم، وهو المنسجم في لفظه ومعناه، المتساوق في حروفه وكلماته، لا تعارض بين نصوصه، ولا تناقض في مدلولاته، قال تعالى :(أَفَلا يَتَدَبَّرون القُرْآنَ، ولَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوجَدوا فيهِ اخْتِلافاً كثِيراً)(١)، وهذه حقيقة تنطبق على القرآن في قراءته على حرف أو على أحرف، فإن هذه القراءات جميعا، رغم اختلافها وتعددها، لا تخرج في ذلك إلى الاختلاف الذي يؤدي إلى التناقض أو التضاد، بل إلى الاختلاف الذي يفيد التعدد والتنوع، ومن ثم يفيد التوسعة والتيسير في تعامل المخاطبين مع كلام الله تعالى. وفي هذا يقول ابن عطية في مقدمة تفسيره :" فالإجماع أن التوسعة لم تقع في تحريم حلال، ولا تحليل حرام، ولا في تغيير شيء من المعاني المذكورة"(٢). وليس في قراءات القرآن ما يجري مجرى التضاد والتناقض، ولكن مجرى التغاير الذي لا تضاد فيه، وليس في قراءات القرآن ما تتضارب أحكامه، أو تتناقض معانيه، إنما يزكي بعضه بعضا ويقويه، ويشهد بعضه لبعض ويعضده، وذلك كله يصب في مجال التيسير على العرب في تلاوة القرآن وفي تفهم معانيه، وهذا أهم غرض وأجل حكمة في إنزال القرآن على سبعة أحرف، قال الزركشي :"وكان الإنزال على الأحرف السبعة توسعة من الله ورحمة على الأمة، إذ لو كلف كل فريق منهم ترك لغته، والعدول عن عادة نشأوا عليها من الإمالة والهمز والتليين والمد وغيره لشق عليهم.

(١) سورة النساء : آية ٨٢
(٢) المحرر الوجيز : ١/٢٦٥


الصفحة التالية
Icon