ويشهد لذلك ما رواه الترمذي عن أبي بن كعب أن رسول الله ﷺ لقي جبريل، فقال : يا جبريل إني بعثت إلى أمة أميين، منهم العجوز والشيخ الكبير والغلام والجارية، والرجل الذي لم يقرأ كتابا قط، فقال : يا محمد : إن القرآن أنزل على سبعة أحرف"(١).
ويذهب ابن قتيبة إلى ما ذهب إليه الزركشي، وهو يقول :" فكان من تيسير الله تعالى أن أمر نبيه عليه السلام بأن يقرأ كل قوم بلغتهم وما جرت عليه عادتهم... ولو أن كل فريق من هؤلاء أمر أن يزول من لغته وما جرى عليه اعتياده طفلا وناشئا وكهلا، لاشتد ذلك عليه، وعظمت المحنة فيه، ولم يمكنه إلا بعد رياضة للنفس طويلة، وتذليل للسان، وقطع للعادة، فأراد الله برحمته ولطفه أن يجعل لهم متسعا في اللغات ومتصرفا في الحركات، كتيسيره عليهم في الدين"(٢).
والجدير بالذكر أن هذه الأحرف المتعددة التي نزل القرآن عليها أفادت التيسير في تلاوة القرآن كما أفادته في تنوع المعنى وتوسيعه، لأنها راعت اختلاف اللهجات وعلاقة هذا الاختلاف بنفسية الإنسان العربي وارتباطه به برباط قوي. ولذلك جاء كثير من القراءات متفاوتا في الظواهر الصوتية، كالإظهار والإدغام والروم والإشمام والفتح والإمالة والهمز والتسهيل والتفخيم والترقيق، وإبدال صوت بصوت أو قلبه، ونقصان آخر وزيادته، والتقديم والتأخير، والجمع والإفراد، والمد والقصر، واختلاف الصيغ، وغير ذلك مما يدخل بعضه في فرش الحروف وبعضه في أصول القراءة. وجميع هذه الظواهر التي جاءت بها القراءات القرآنية ساهمت في تفسير كلام الله تعالى، وكلها جرت على ألسنة العرب وتعودتها، وأطبقت عليها، لأنها وافقت طباعهم، وانسجمت مع أذواقهم التعبيرية والفكرية.

(١) البرهان : ١/٢٢٧
(٢) -تأويل مشكل القرآن : ٣٨-٤٠


الصفحة التالية
Icon