وهذا ما جعل المفسرين يعتمدون اختلاف القراءات في الكشف عن معاني القرآن وتفسير غريبه، ومن هنا كانت للقراءات بمختلف أنواعها قيمة كبيرة بالنسبة للمفسر، فكان كلما خفي عليه مدلول الآية، أو تعذر عليه الوصول إلى المراد منها، رجع إلى القراءات يلتمس فيها الكشف عن المعنى، ومن ذلك مثلا قوله تعالى :(فَصِيامُ ثَلاثةِ أَيَّامٍ)(١)، حيث قرأ عبد الله بن مسعود :(فَصِيَامُ ثلاثةِ أَيامٍ مُتَتَابِعاتٍ)، للتوضيح والزيادة في البيان. فهذه قراءة شاذة فسرت قراءة متواترة، ومن أمثلة تفسير قراءة متواترة بأخرى متواترة، قوله تعالى :(إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُواْ)(٢)، حيث قرأ حمزة والكسائي :(فَتَثَبَّتُواْ)، وكلاهما واجب : أي التبين والتثبت، لا يجوز ترك واحد منهما..
ويبدو واضحا من خلال المثالين السابقين أن التفسير القرائي يأتي من وجهين أساسيين :
أولا : أن توافق القراءة القراءة الأخرى فتؤيدها وتؤكد ما جاءت به.
ثانيا : أن تبين القراءة ما غمض في القراءة الأخرى وانبهم، فتفسره وتوضح المراد منه، وترفع عنه التوهم الذي يمكن أن يعلق به.
ولا يوجد وجه ثالث في هذا المجال، وذلك كأن تناقض القراءة قراءة أخرى، فإن هذا لا وجود له أبدا، لأنه محال في كلام الله تعالى.

(١) سورة البقرة : آية ١٩٦
(٢) سورة النساء : آية ٩٤


الصفحة التالية
Icon