ونادرا ما نجد في القراءات القرآنية اختلافا يخلو من تغيير دلالي بل إن الاختلاف بين قراءتين، ولو من الناحية الصوتية، يؤدي غالبا إلى تعدد المعنى وتنوعه، أي إلى خدمة المنطوق من القراءتين، فالزيادة في المبنى تدل على الزيادة في المعنى. ولهذا يرى الشيخ الطاهر بن عاشور أن على المفسر أن يكون ملما بالقراءات، وأن يبين اختلافها، لأن في ذلك توفيرا لمعاني الآيات، فيقوم تعداد القراءات مقام تعداد كلمات القرآن(١). فبالقراءات تنكشف معاني الآيات، وبها يترجح بعض الوجوه على بعض، عندما تتفاوت من حيث السند، كما أن بها تعرف وجوه النطق بالحروف والحركات في مخارجها وصفاتها، وتعرف كيفيات الأداء، وما يترتب على ذلك من إعجاز ليس فقط في نظم القرآن ومعانيه، بل في تركيب الألفاظ وحروف الكلمة.
أضف إلى ذلك مزية حفظ اللغة من خلال اختلاف وجوه الأداء، وذلك بالتلقى عن القراء من الصحابة بالأسانيد الصحيحة، وهذا ما يدل على أن للقراءات أهمية كبرى في التفسير، لأنها تمثل سعة وجوهها، كما يدل على أن للقراءات أهمية كبرى في التفسير لأنها تفيد الفقيه في فقه النصوص واستنباط الأحكام. ولهذا رأينا أبا بكر بن مجاهد يهتم كثيرا ببيان أثر القراءات في التفسير، وهو الذي ورد عنه قوله :"عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات، أقفه عند كل آية، أسأله فيم نزلت وكيف كانت". وقال :" لو كنت قرأت قراءة ابن مسعود لم أحتج أن أسأل ابن عباس عن كثير مما سألت"(٢).
(٢) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأحمد بن عبد الله الأصفهاني : ٣/٢٧٩-٢٨٠