ومعنى كلام ابن مجاهد هذا أن التفسير يفيد من اختلاف القراءات، وكل قراءة اختلفت مع أختها، ولو في حركة فقط، لا يخلو الاختلاف بينهما من زيادة في الإيضاح واتساع في المعنى، والأمثلة على هذا كثيرة، منها قراءة الحسن البصري :(سَأُوْرِيكُمْ دارَ الْفاسِقينَ)(١)، بواو ساكنة بعد الهمزة، على ما يقتضيه رسم المصحف، وقد نسب أبو حيان قراءة (سأُورِيكُمْ)، بإشباع المد بعد الهمز إلى قبائل الحجاز، بل قال :" وهي أيضا في لغة أهل الأندلس، كأنهم تلقنوها من لغة الحجاز، وبقيت في لسانهم إلى الآن"(٢)، ولهذا الرسم الإملائي وجه يحيل على معنى زائد، إذ هو موضع وعيد وإغلاظ، فمكن الصوت فيه.
واختلاف الأصوات هو فرع من اختلاف القراءات، وهو يخدم المعنى، كما يتضح من قراءة الآية السابقة بإسكان الواو بعد الهمز أو بمده. وواضح كذلك أن الاختلاف بين القراءتين، ولو كان صوتيا محضا، له مزيد تعلق بالتفسير، لأن ثبوت أحد اللفظين في قراءة قد بين المراد من نظيره في قراءة أخرى، أو قد يثير معنى جديدا، ولأن اختلاف القراءات في ألفاظ القرآن يكثر المعاني في الآية الواحدة، ومن ذلك مثلا قراءة الإمام علي وأبي رجاء وابن يعمر وغيرهم (قَدْ شَعَفَها حُبّاً)، بالعين المهملة، وقراءة الجماعة :(قَدْ شَغَفَها)(٣)، بالغين المعجمة. ويرى ابن جنى في القراءة بالعين المهملة أن حبه وصل إلى قلبها فكاد يحرقه لحدته، وفي القراءة بالغين المعجمة أنه فرق شغاف قلبها حتى وصل إليه، فالفرق كما ترى دقيق رقيق بينهما، وإن كان المآل واحد(٤).

(١) سورة الأعراف: آية ١٤٥.
(٢) البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي، دار الفكر، ط٢، ١٩٨٣ : ٤/٣٨٩
(٣) سورة يوسف : آية ٣٠
(٤) المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات لابن جني، تحقيق علي النجدي وآخرين، القاهرة، ١٣٨٦ : ١/٣٣٩


الصفحة التالية
Icon