قال تعالى ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) هذه الآية تدل على عطية كثيرة صادرة من معط كبير غني واسع، وصدَّر الآية ( بإنَّ ) الدالة على التأكيد وتحقيق الخبر وجاء الفعل بلفظ الماضي الدال على التحقيق وأنه أمر ثابت واقع ولا يدفعه ما فيه من الإيذان بأن إعطاء الكوثر سابق في القدر الأول حين قدرت مقادير الخلائق قبل أن يخلقهم بخمسين ألف سنة (١) وحذف موصوف الكوثر ليكون أبلغ في العموم ؛ لما فيه من عدم التعيين (٢).
ما هو الكوثر ؟
والكوثر فسره النبي ﷺ كما في حديث أنس رضي الله عنه قال : بينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسما فقلنا ما أضحكك يا رسول الله ؟ قال ( أُنزلت على آنفا سورة ). فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ (٣)). ثم قال :( أتدرون ما الكوثر ) ؟ فقلنا : الله ورسوله أعلم. قال :( فإنه نهر وعدنيه ربى عز وجل عليه خير كثير هو حوض ترد عليه أمتى يوم القيامة آنيته عدد النجوم فيُختلج (٣) العبد منهم فأقول : رب إنه من أمتى. فيقول : ما تدري ما أحدث بعدك ) (٤) وهذا الحديث استدل به مَن يرى السورة مدنية لرواية أنس له ولم يُسلم رضي الله عنه إلا في المدينة (٥).
(٢) مجموع الفتاوى ١٦/٥٢٩
(٣) أي يقتطع وينتزع. الديباج شرح صحيح مسلم بن الحجاج ٢/١٣٢
(٤) رواه مسلم (٦٠٧)
(٥) انظر : تفسير ابن كثير ٨/٤٩٨