بجد كأنهم صورة التناجي، فكأنه قيل: فما قالوا؟ فقيل: ﴿قال كبيرهم﴾ في السن وهو روبيل: ﴿ألم تعلموا﴾ مقرراً لهم بما يعرفونه مع قرب الزمان ليشتد توجههم في بذل الجهد في الخلاص من غضب أبيهم ﴿أن أباكم﴾ أي الشيخ الكبير الذي فجعتموه في أحب ولده إليه.
ولما كان المقام بالتقرير ومعرفة صورة الحال لتوقع ما يأتي من الكلام، قال: ﴿قد أخذ عليكم﴾ أي قبل أن يعطيكم هذا الولد الآخر ﴿موثقاً﴾ ولما كان الله تعالى هو الذي شرعه - كما مضى - كان كأنه منه، فقال: ﴿من الله﴾ أي أيمان الملك الأعظم: لتأتنه به إلا أن يحاط بكم ﴿ومن قبل﴾ أي قبل هذا ﴿ما فرطتم﴾ أي قصرتم بترك التقدم بما يحق لكم في ظن أبيكم أو فيما ادعيتم لأبيكم تفريطاً عظيماً، فإن زيادة «ما» تدل على إرادته لذلك ﴿في﴾ ضياع ﴿يوسف﴾ فلا يصدقكم أبوكم أصلاً، بل يضم هذه إلى تلك فيعلم بها خيانتكم قطعاً، وأصل معنى التفريط،: التقدم، من قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أنا فرطكم على الحوض».
ولما كان الموضع موضع التأسف والتفجع والتلهف، أكده ب «ما» النافية لنقيض المثبت كما سلف غير مرة، أي أن فعلكم في يوسف ما كان إلا تفريطاً لا شك فيه ﴿فلن أبرح﴾ أي أفارق هذه


الصفحة التالية
Icon