﴿سوء الحساب *﴾ وهو المناقشة فيه من غير عفو، ومن أول السورة إلى هنا تفصيل لقوله تعالى أول البقرة ﴿ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب﴾ [البقرة: ١] مع نظره إلى قوله آخر يوسف ﴿ما كان حديثاً يفترى﴾ [يوسف: ١١١].
ولما كان الوفاء بالعهد في غاية الشدة على النفس، قال مشيراً إلى ذلك مع شموله لغيره: ﴿والذين صبروا﴾ أي على طاعات الله وعن معاصيه وفي كل ما ينبغي الصبر فيه، والصبر: الحبس، وهو تجرع مرارة المنع للنفس عما تحب مما لا يجوز فعله ﴿ابتغاء﴾ أي طلب ﴿وجه ربهم﴾ أي المحسن إليهم، وكأنه ذكر الوجه إثارة للحياء وحثاً عليه لا ليقال: ما أجلده! ولا لأنه يعاب بالجزع، ولا لأنه لا طائل تحت الهلع ولا خوف الشماتة.
ولما كانت أفراد الشيء قد تتفاوت في الشرف، خص بالذكر أشياء مما دخل في العهد والميثاق تشريفاً لها فقال: ﴿وأقاموا الصلاة﴾ لأنها في الوصلة بالله كالميثاق في الوصلة بالموثق له، وقال -: ﴿وأنفقوا﴾ وخفف عنهم بالبعض فقال: ﴿مما رزقناهم﴾ - لأن الإنفاق من أعظم سبب يوصل إلى المقاصد، فهذا إنفاق من المال، وتلك إنفاق من القوى، وقال: ﴿سراً وعلانية﴾ إشارة إلى الحث على استواء الحالتين تنبيهاً على الإخلاص، ويجوز أن يكون المراد بالسر ما ينبغي فيه الإسرار


الصفحة التالية
Icon