العالم السفلي من الأجسام لمشاركته للحيوان الذي هو أشرف من غيره بالقوى الشريفة من الحواس الظاهرة والباطنة، والشهوة والغضب، واختصاصه بالنطق الذي هو إدراك الكليات والتصرف فيها بالقياسات ﴿من نطفة﴾ أي آدم عليه السلام من مطلق الماء، ومن تفرع منه بعد زوجه من ماء مقيد بالدفق.
ولما كان - مع مشاركته لغيره من الحيوان في كونه من نطفة - متميزاً بالنطق المستند إلى ما في نفسه من عجائب الصنع ولطائف الإدراك، كان ذلك أدل دليل على كمال قدرة الفاعل واختياره، فقال تعالى: ﴿فإذا هو﴾ أي الإنسان المخلوق من الماء المهين ﴿خصيم﴾ أي منطيق عارف بالمجادلة ﴿مبين *﴾ أي بين القدرة على الخصام، وموضح لما يريده غاية الإيضاح بعد أن كان ما لا حسّ به ولا حركة اختيارية عنده بوجه، أفلا يقدر الذى ابتدأ ذلك على إعادته!
ولما صار التوحيد بذلك كالشمس، وكان كل ما في الكون - مع أنه دال على الوحدانية - نعمة على الإنسان يجب عليه شكرها، شرع يعدد ذلك تنبيهاً له على وجوب الشكر بالتبرؤ من الكفر، فقال مقدماً الحيوانات لأنها أشرف من غيرها، وقدم منها ما ينفع الإنسان لأنه


الصفحة التالية
Icon