ولما انتهزت فرصة الترغيب في الطاعة والترهيب من المعصية، عطف الوعيد الثاني بالفاء إشارة إلى أنه بعد نصر بني إسرائيل على أهل المرة الأولى، ولعلها أيضاً مؤذنة بقرب مدتها من مدة الإدالة فقال تعالى: ﴿فإذا جاء﴾ أي أتى إتياناً هو كالملجأ إليه قسراً على خلاف ما يريده الآتي إليه ﴿وعد الآخرة﴾ أي وقته، فاستأهلتم البلاء لما أفسدتم وأحدثتم من البلايا التي أعظمها قتل زكريا ويحيى عليهما السلام والعزم على قتل عيسى عليه السلام ﴿ليسوءوا﴾ أي بعثنا عليكم عباداً لنا ليسوءوا ﴿وجوهكم﴾ أي يجعل آثار المساءة بادية فيها، وحذف متعلق اللام لدلالة الأول عليه ﴿وليدخلوا المسجد﴾ أي الأقصى الذي سقناكم إليه من مصر في تلك المدد الطوال وأعطيناكم بلاده بالتدريج، وجعلناه محل أمنكم وعزكم، ثم جعلناه محلاً لإكرام أشرف خلقنا بالإسراء به إليه وجمع أرواح النبيين كلهم فيه وصلاته بهم ثَّمَ، وهذا تعريض بالتهديد لقريش بأنهم إن لم يرجعوا أبدل أمنهم في الحرم خوفاً وعزهم ذلاً، فأدخل عليهم جنوداً لا قبل لهم بها، وقد فعل ذلك عام الفتح لكنه فعل إكرام لا إهانة ببركة هذا النبي الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشرف وكرم وبجل ومجد وعظم دائماً أبداً ﴿كما دخلوه﴾


الصفحة التالية
Icon