ما تراه به وبنفسها من البلاء وقد فارقها الصبر وعدمت الجلد، ثم زاد بها الجوع فزال عنها التمييز فقالت: يا ابني وواحدي! قد كنت آمل أن تعيش حتى تبرني، وكنت أخاف أن تموت قبلي فأفجع بموتك، فيا ليتني كنت قد ثكلتك فدفنتك واحتسبتك عند الله، والآن يا ولدي فقد أحاط بنا المكروه وأيقنا بالهلاك، فالحي لا يرجو الحياة والميت لا يدفن، وأنا وأنت هالكان، وإن مت يا بني لم يدفنك أحد وكنت كغيرك ممن أكلته الكلاب وطيور السماء، وقد رأيت أن أقتلك لتستريح مما أنت فيه ثم آكلك فأجعل بطني التي حملتك فيها قبراً لك، وأسد بك جوعي، فيكون ذلك عوض برك بي الذي كنت أرجوه، وتنال بذلك الأجر العظيم، ويكون ذلك عاراً على هؤلاء الخوارج الذي أوقعونا في هذا البلاء، وزيادة في سخط الله عليهم، ويذكر ذلك على ممر الدهر، ويتحدث به بعدنا الأجيال، ويعتبر به ذوو الألباب، ثم قبضت على ابنها بيدها الواحدة وأخذت الحديدة بالأخرى وهي كالمجنونة،


الصفحة التالية
Icon