وحولت وجهها عنه لئلا تراه وضربته بالحديدة فمات، ثم أخذت منه وشوته وأكلته، فلما شم الخوارج ريح ذلك اللحم هجموا عليها فقالوا لها: من أين لك هذا اللحم؟ ولم استأثرت به علينا؟ فقال: ما كنت بالتي أوثر نفسي عليكم فاجلسوا، فجاءت بالمائدة وأخرجت ما بقي من جسم ابنها وقالت: هذا ولدي وأعز الناس عندي قتلته بيدي لإفراط الجوع وأكلت من لحمه، وهذا بقية جسمه عزلتها لكم، فكلوا واشعبوا ولا تكونوا أشد رحمة لولدي مني، ولا تضعف قلوبكم عن ذلك فإنه قبيح لشجعان مثلكم أن تكون امرأة أقوى قلباً منكم، وأنتم أحق بأن ترضوا بهذا مني، لأنكم الذين سببتم علينا البلاء حتى بلغنا هذا المبلغ، ثم رفعت صوتها تبكي وتنتحب وتنوح على ابنها، فلما رأوا ذلك هالهم وخرجوا مذعورين واشتهر خبرها، فقلق الناس قلقاً شديداً، وتحققوا صحة الوعيد الذي سبق من الله، وانكسر الخوارج لذلك واستعظموه وأطلقوا للناس الخروج، فخرج في ذلك الوقت خلق كثير.


الصفحة التالية
Icon