فلما اتصل ذلك بطيطوس استعظمه واشتد خوفه من الله تعالى، فرفع يده إلى السماء وقال: اللهم! أنت العالم بالخفيات والمطلع على السرائر والنيات، أنت تعلم أني لم أجىء إلى هذه المدينة لأسيء إلى أهلها ولقد ساءني أمر هذه المرأة فلا تؤاخذني به، وطالب هؤلاء الخوارج وانتقم منهم، وظفرني بهم ولا تمهلهم. وأمر بالإحسان إلى من خرج إليه من اليهود، فكان كثير منهم لا يقدرون على فتح أفواههم، وكثير منهم مات لما أكل الطعام، وكان الصبيان وغيرهم يختطفون الخبز إذا نظروه وينهشونه بلا عقل، فإذا أكلوا ماتوا، فقال طيطوس ليوسف بن كريون: ما الحيلة في هؤلاء حتى لا يموتوا؟ فقال: ينبغي أن يسقوا اللبن والحساء الرقيق أياماً حتى تلين أمعاؤهم، ثم الطعام بعد ذلك، ففعل ذلك فسلم منهم جماعة. وتقدم الروم إلى السور الثالث ليهدموه فخرج إليهم يوحانان وشمعون وأصحابهما مع ما هم فيه من الضر فقاتلوهم قتالاً شديداً، وقتلوا منهم جماعة، فأمر طيطوس بدفع الكبش على السور، فدفع عليه في الليل فهدم، وكبر الروم تكبيراً عظيماً وكبر اليهود من داخل المدينة، فلم يجسر الروم على


الصفحة التالية
Icon