ولما قدم ذلك، لأن درء المفاسد - بالنهي عما لا يرضي - أولى من جلب المصالح، أتبعه الأمر بالشكر فقال: ﴿فإذا استويت﴾ أي اعتقلت ﴿أنت ومن معك﴾ أي من البشر وغيرهم ﴿على الفلك﴾ ففرغت من امتثال الأمر بالحمل ﴿فقل﴾ لأن علمك بالله ليس كعلم غيرك فالحمد منك أتم، وإذا قلت اتبعك من معك، فإنك قدوتهم وهم في غاية الطاعة لك، ولهذا أفرد في الجزاء بعد العموم في الشرط ﴿الحمد﴾ أي الإحاطة بأوصاف الكمال في الإيجاد والإعدام ﴿لله﴾ أي الذي لا كفوء له لأنه المختص بصفات المجد ﴿الذي نجّانا﴾ بحملنا فيه ﴿من القوم﴾ الأشداء الأعتياء ﴿الظالمين*﴾ الذين حالهم - لوضعهم الأشياء في غير مواضعها - حال من يمشي في الظلام، فلك الحمد بعد إفنائهم كما كان لك الحمد في حال إبدائهم وإبقائهم، والحمد في هذه السورة المفتتحة بأعظم شعيرة بها الإبقاء الأول، وهي الصلاة الموصوفة بالخشوع كالحمد في سورة الإيجاد الأول: الأنعام بقوله تعالى
﴿فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين﴾ [الأنعام: ٤٥].
ولما أشار له بهذا القول إلى السلامة بالحمل، أتبعه الإشارة إلى الوعد بإسكان الأرض فقال: ﴿وقل رب أنزلني﴾ في الفلك ثم في الأرض وفي كل منزل تنزلني به وتورثني إياه ﴿منزلاً﴾ موضع نزول، أو إنزالاً ﴿مباركاً﴾ أي أهلاً لأن يثبت فيه أو به. ولما كان


الصفحة التالية
Icon