إلينا، فإنا لا ندع ما نحن عليه لشيء، وكان العرب أيضاً قد ادعوا أن العادة بموتهم وإنشاء من بعدهم شيئاً فشيئاً لا تنخرم، قال تعالى رادعاً لهم: ﴿ثم أنشأنا﴾ أي بعظمتنا التي لا يضرها تقديم ولا تأخير، وأثبت الجار لما تقدم فقال: ﴿من بعدهم﴾ أي من بعد من قدمنا ذكره من نوح والقرن الذي بعده ﴿قروناً آخرين﴾ ثم أخبر بأنه لم يعجل على أحد منهم قبل الأجل الذي حده له بقوله: ﴿ما تسبق﴾ ولعله عبر بالمضارع إشارة إلى أنه ما كان شيء من ذلك ولا يكون، وأشار إلى الاستغراق بقوله: ﴿من أمة أجلها﴾ أي الذي قدرناه لهلاكها ﴿وما يستأخرون*﴾ عنه، وكلهم أسفرت عاقبته عن خيبة المكذبين وإفلاح المصدقين، وجعلهم بعدهم الوارثين، وعكس هذا الترتيب في غيرها من الآيات فقدم الاستئخار لنه فرض هناك مجيء الأجل فلا يكون حينئذ نظر إلا إلى التأخير.
ولما كان قد أملى لكل قوم حتى طال عليهم الزمن، فلما لم يهدهم عقولهم لما نصب لهم من الأدلة، وأسبغ عليهم من النعم، وأحل بالمكذبين قبلهم من النقم، أرسل فيهم رسولاً، دل على ذلك بأداة التراخي فقال: ﴿ثم أرسلنا﴾ أي بعد إنشاء كل قرن منهم وطول إمهالنا له،