من سرائركم بإرسال الرسل وإنزال الكتب ونصب الحدود، الزاجرة عن الجهل، الحاملة على التقوى، التي هي ثمرة العلم، فإن الرأفة كما تقدم في الحج وغيرها تقيم المرؤوف به لأنها ألطف الرحمة وأبلغها على أقوم سنن حتى تحفظ بمسراها في سره ظهور ما يستدعي العفو، وتارة يكون هذا الحفظ بالقوة بنصب الأدلة، وتارة يضم إلى ذلك الفعل بخلق الهداية في القلب بما للمرؤوف به من الوصلة بسهولة الانقياد وقوة الاستعداد ﴿رحيم*﴾ بما يثبت لكم من الدرجات على ما منحكم به من ثمرات ذلك الحفظ من الأعمال المرضية، والجواب محذوف تقديره: لترككم في ظلمات الجهل تعمهون، فثارت بينكم الفتن حتى تفانيتم ووصلتم إلى العذاب الدائم بعد الهم اللازم.
ولما أخبرهم بأنه ما أنزل لهم هذا الشرع على لسان هذا الرسول الرؤوف الرحيم إلا رحمة لهم، بعد أن حذرهم موارد الجهل، نهاهم عن التمادي فيه في سياق معلم أن الداعي إليه الشيطان العدو، فقال ساراً لهم بالإقبال عليهم بالنداء: ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ أي أقروا بالإيمان ﴿لا تتبعوا﴾ أي بجهدكم ﴿خطوات﴾ أي طريق ﴿الشيطان﴾ أي لا تقتدوا به ولا تسلكوا مسالكه التي يحمل على سلوكها بتزيينها