هذه السورة وما تقدمها، بما لنا من العظمة ﴿آيات﴾ أي من الحكم والأحكام والأدلة والأمثال ﴿مبينات﴾ لا خفاء في شيء منها عند أحد من الخلق، لأن الله قد أراد هدايتكم، بعضكم بالبيان، وبعضكم بخلق الإذعان ﴿والله﴾ أي الملك الأعظم ﴿يهدي من يشاء﴾ من العابد كلهم ﴿إلى صراط مستقيم*﴾ بالقوة بإنزال الآيات، والفعل بخلق الإيمان والإخبات، فيؤمنون إيماناً ثابتاً.
ولما كان إخفاء هذه الآيات عن البعض بعد بيانها أعجب من ابتداء نصبها، فكان السياق ظاهراً في أن التقدير: والله يضل من يشاء فيكفرون بالآيات والذكر الحكيم، وكان الخروج من نورها بعد التلبس بها إلى الظلام أشد غرابة، عطف على ما قدرته مما دل عليه السياق أتم دلالة قوله دليلاً شهودياً على ذلك مطوي، معجباً ممن عمي عن دلائل التوحيد التي أقامها تعالى وعددها وأوضحها بحيث صارت كما ذكر تعالى أعظم من نور الشمس: ﴿ويقولون﴾ أي الذين ظهر لهم نور الله، بألسنتهم فقط: ﴿آمنا بالله﴾ الذي أوضح لنا جلاله، وعظمته وكماله ﴿وبالرسول﴾ الذي علمنا كمال رسالته وعمومها بما أقام عليها من الأدلة ﴿وأطعنا﴾ أي أوجدنا الطاعة لله وللرسول، وعظم المخالفة بين الفعل والقول بأداة البعد فقال: ﴿ثم يتولى﴾ أي يرتد بإنكار القلب ويعرض عن طاعة الله ورسوله، ضلالاً منهم عن الحق ﴿فريق منهم﴾


الصفحة التالية
Icon