ابن بقيلة من سبي الحيرة من بلاد العراق من مملكة فارس، وكل منهم قبض ما أعطاه عند الفتح كما يعرفه من طالع كتب الفتوح علىأيام الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين، فعندي أن هذا مما أشارت إليه الاية الشريفة، نزه الله تعالى نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنه وفتحه على أصحابه، تشريفاً لهم بإزالة أهل الشرك عنه، وإنعاماً عليهم به تصديقاً لوعده، وإكراماً لنبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنصر أوليائه وتكثير أمته، وحضر ذلك كثير ممن كان من القائلين ﴿ما لهذا الرسول﴾ [الفرقان: ٧] إلى آخره، وقد كان قادراً على أن يقويه بجميع ذلك قبل موته، ولكنه لم يفعل لأن ذلك أوضح في الأمر، لأن نصره على خلاف ما ينصر به أهل الدنيا من غير جنود كثيرة ظاهرة، ولا أموال وافرة، ولا ملوك معينة قاهرة، بل كانت الملوك عليه، ثم صاروا كلهم أهون شيء عليه، بيد أصحابه من بعده وأحبابه.
ولما ثبت بما أثبت لنفسه الشريفة من الكمال أنه لا مانع من إيجاد ما ساقوه مساق التوبيخ إلا عدم المشيئة، لا عجز من الجاعل ولا هوان بالمجعول له، تسلية له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أسلوب مشير بأنه يعطيه ذلك، سلاه أيضاً بأن ما نسبوه إليه لا يعتقدون حقيقته، فأضرب عن كلامهم قائلاً: ﴿بل﴾ أي لا تظن أنهم كذبوا بما جئت به لأنهم يعتقدون فيك كذباً وافتراء للقرآن، أو نقصاناً لأكلك الطعام ومشيك