ولما أثبت تكذيبهم بالآخرة، عطف عليه تحقيقاً قوله، مبيناً أنهم لم يقتصروا على التكذيب بالممكن المحبوب حتى ضموا إليه الاستهزاء بمن لا يمكن أصلاً في العادة أن يكون موضعاً للهزء: ﴿وإذا رأوك﴾ أي مع ما يعلمون من صدق حديثك وكرم أفعالك لو لم تأتهم بمعجزة، فكيف وقد أتيتهم بما بهر العقول ﴿إن﴾ أي ما ﴿يتخذونك إلا هزواً﴾ عبر بالمصدر إشارة إلى مبالغتهم في الاستهزاء مع شدة بعده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك، يقولون محتقرين: ﴿أهذا﴾ وتهكموا مع الإنكار في قولهم ﴿الذي بعث الله﴾ أي المستجمع لنعوت العظمة ﴿رسولاً*﴾ فإخراجهم الكلام في معرض التسليم والإقرار - وهو في غاية الجحود - بالغ الذروة من الاستهزاء، فصار المراد عندهم أن هذا الذي ادعاه من الرسالة مما لا يجوز أن يعتقد.
ثم استأنفوا معجبين من أنفسهم، مخيلين غيرهم من الالتفات إلى ما يأتي به من المعجزات، قائلين: ﴿إن﴾ أي إنه ﴿كاد﴾ وعرّف بأن «إن» مخففة لا نافية باللام فقال: ﴿ليضلنا﴾ أي بما يأتي به من هذه الخوارق التي لا يقدر غيره على مثلها، واجتهاده في إظهار النصح ﴿عن آلهتنا﴾ هذه التي سبق إلى عبادتها من هو أفضل منا رأياً وأكثر للأمور تجربة. ولما كانت هذه العبارة مفهمة لمقاربة الصرف عن الأصنام، نفوه بقولهم:


الصفحة التالية
Icon