يهديهم ربهم بإيمانهم} [يونس: ٩] فكما أن الإنسان - وإن كان بصيراً - لا يميز بين المحسوسات ما لم يشرق عليها نور الشمس، فكذلك الإنسان - وإن كان عاقلاً ذا بصيرة - لا تدرك بصيرته المعاني المعلومات على ما هي عليه ما لم يشرق عليها نور الإيمان، لأن البصيرة عين الروح كما أن البصر عين الجسد؛ ولما كان من المعلوم أنهم يسمعون ويعقلون وأن المنفي إنما هو انتفاعهم بذلك، كان موضع عجب من صرفهم عن ذلك، فعبقه سبحانه بتصرفه في الأمور الحسية مثالاً للأمور المعنوية، ولأن عمله في الباطن ينيره إذا شاء بشمس المعارف كعمله في الظاهر سواء، دليلاً على سلبهم النفع بما أعطاهموه.
ولما بين جمود المعترضين على دلائل الصانع، وتناهي جهلهم، وفساد طريقتهم، وكان المراد من العبد في تعرف ذلك أن ينظر في أفعال سيده بعين الحقيقة نظراً تفنى لديه الأغيار، فلا يرى إلا الفاعل المختار، خاطب رأس المخلصين الناظرين هذا النظر، حثاً لأهل وده على مثل ذلك، فقال ذاكراً لأنواع من الدلائل الدالة على وجود الصانع، وإحاطة علمه، وشمول قدرته، مشيراً إلى أن الناظر في هذا الدليل - لوضوحه في الدلالة على الخالق - كالناظر إلى الخالق، معبراً بوصف الإحسان


الصفحة التالية
Icon