وعظمته القاهرة، فقال: ﴿هذا عذب﴾ أي حلو سائغ ﴿فرات﴾ أي شديد العذوبة بالغ الغاية فيها حتى يضرب إلى الحلاوة، لا فرق بين ما كان منه على وجه الأرض وما كان في بطنها ﴿وهذا ملح﴾ شديد الملوحة ﴿أجاج﴾ أي مر محرق بملوحته ومرارته، لا يصلح لسقي ولا شرب، ولعله أشار بأداة القرب في الموضعين تنبيهاً على وجود الموضعين، مع شدة المقاربة، لا يلتبس أحدهما بالآخر حتى أنه إذا حفر على شاطىء البحر الملح بالقرب منه جداً خرج الماء عذباً جداً ﴿وجعل﴾ أي الله سبحانه ﴿بينهما برزخاً﴾ أي حاجزاً من قدرته مانعاً من اختلاطهما.
ولما كانا يلتقيان ولا يختلطان، كان كل منهما بالاختلاط في صورة الباغي على الآخر، فأتم سبحانه تقرير النعمة في منعهما الاختلاط بالكلمة التي جرت عادتهم بقولها عند التعوذ، تشبيهاً لكل منهما بالمتعوذ، ليكون الكلام - مع أنه خبر - محتملاً للتعوذ، فيكون من أحسن الاستعارات وأشهدها على البلاغة فقال: ﴿وحجراً﴾ أي منعاً ﴿محجوراً*﴾ أي ممنوعاً من أن يقبل رفعاً، كل هذا التأكيد إشارة إلى جلالة هذه الآية وإن كانت قد صارت لشدة الإلف بها معرضاً عنها


الصفحة التالية
Icon