نهت عن قتله وخافت أن تقول: لا تقتله، فيجيبها حاملاً له على الحقيقة ثم يأمر بقتله، ويكون مخلصاً له عن الوقوع في إخلاف الوعد، فجمعت قائلة: ﴿لا تقتلوه﴾ أي أنت بنفسك ولا أحد ممن تأمره بذلك، ثم عللت ذلك أو استأنفت فقالت: ﴿عسى﴾ أي يمكن، وهو جدير وخليق ﴿أن ينفعنا﴾ أي لما أتخيل فيه النجابة ولو كان له أبوان معروفان ﴿أو نتخذه ولداً﴾ إن لم يعرف له أبوان، فيكون نفعه أكثر، فإنه أهل لأن يتشرف به الملوك.
ولما كان هذا كله فعل من لا يعلم، فلا يصح كونه إلهاً، صرح بذلك تسفيهاً لمن أطاعه في ادعاء ذلك فقال: ﴿وهم﴾ أي تراجعوا هذا القول والحال أنهم ﴿لا يشعرون*﴾ أي لا شعور لهم أصلاً، لأن من لا يكون له علم إلا بالاكتساب فهو كذلك، فكيف إذا كان لا يهذب نفسه باكتسابه، فكيف إذا كان مطبوعاً على قلبه وإذا كانوا كذلك فلا شعور لهم بما يؤول إليه أمرهم معه من الأمور الهائلة المؤدية إلى هلاك المفسدين ليعلموا لذلك أعماله من الاحتراز منه بما ينجيهم.
ولما أخبر عن حال من لقيه، أخبر عن حال من فارقه، فقال: ﴿وأصبح﴾ أي عقب الليلة التي حصل فيها فراقه ﴿فؤاد أم موسى﴾ أي قلبها الذي زاد احتراقه شوقاً وخوفاً وحزناً، وهذا يدل على أنها ألقته ليلاً ﴿فارغاً﴾ أي في غاية الذعر لما جلبت عليه من أخلاق البشر،


الصفحة التالية
Icon