وكانت مسيرة أكثر من شهر للراكب المجد على هذه الحال في العرض مثل ذلك، يسير الراكب من أولها إلى أن ينتهي إلى آخرها، لا تواجهه الشمس ولا يفارقها الظل، لاستتار الأرض بالأشحار واستيلائها عليها وإحاطتها بها، فكان أهلها في أطيب عيش وأرفعه وأهنأ حال وأرغده، في نهاية الخصب وطيب الهواء وصفاء الفضاء وتدفق الماء، وقوة الشوكة واجتماع الكلمة، ثم ذكر خبراً طويلاً في أخبارهم وخراب ما كان من آثارهم وتفرقهم في البلاد وشتاتهم بين العباد ﴿آية﴾ أي علامة ظاهرة على قدرتنا على ما نريد، ثم فسر الآية بقوله: ﴿جنتان﴾ مجاورتان للطريق ﴿عن يمين وشمال﴾ أي بساتين متصلة وحدائق مشتبكة، ورياض محتبكة، حتى كان الكل من كل جانب جنة واحدة لشدة اتصال بعضه ببعض عن يمين كل سالك وشماله في أي مكان سلك من بلادهم ليس فيها موضع معطل، وقال البغوي: عن يمين واديهم وشماله، قد أحاط الجنتان بذلك الوادي.
وأشار الى كرم تلك الجنان وسعة ما بها من الخير بقوله: ﴿كلوا﴾ أي لا تحتاج بلادهم إلى غير أن يقال لهم: كلوا ﴿من رزق ربكم﴾ أي المحسن إليكم الذي أخرج لكم منها كل ما تشتهون ﴿واشكروا له﴾ أي خصوه بالشكر بالعمل بما أنعم به في ما يرضيه ليديم لكم النعمة، ثم استأنف تعظيم


الصفحة التالية
Icon