نكسناه بل منحناه غرائز من الفضائل عجز عنها الأولون والآخرون، فأتى بقرآن أعجز الإنس والجن، وعلوم وبركات فاتت القوى، ومعلوم قطعاً أن الذي أتى به ليس بشعر خلافاً لما رموه به بغياً وعدواناً، وكذباً على جنابه وافتراء وتجاوزاً في البهت وطغياناً، لأنه قد مضى عليه سن الصبا والشباب جميعاً ولم يقل بيت شعر مع ما يرى لكم ولأمثالكم فيه من المفاخرة، وبه من المكاثرة، وقد وصل إلى سن الوقوف المعلوم قطعاً أنه لا يحدث للإنسان فيه غريزة لم تكن أيام شبابه لا شعرية ولا غيرها: ﴿وما علمناه﴾ أي نحن ﴿الشعر﴾ فيما علمناه وهو أن يتكلف التقيد بوزن معلوم وروي مقصود وقافيه يلتزمها، ويدير المعاني عليها ويجتلب الألفاظ تكلفاً إليها كما كان زهير في قصائده الحوليات وغيره من أصحاب التكلفات ﴿وما أنا من المتكلفين﴾ [ص: ٨٦] لأن ذلك وإن كنتم أنتم تعدونه فخراً لا يليق بجنابنا لأنه لا يفرح به إلا من يريد ترويج كلامه وتحليته بصوغه على وزن معروف مقصود وقافيه ملتزمة لكونه لا يقدر على الإتيان بأحسن منه بما لا يقايس من غير التزام وزن ولا قافية على أن فيه نقيصة أخرى، وهي أعظم ما يوجب النفرة منه، وهي أنه لا بد أن يوهي التزامه بعض المعاني، ولما لم نعلمه


الصفحة التالية
Icon