وختم بإحاطة العلم الملزوم لتمام القدرة، أتبع ذلك دليلاً أبين من الأول فقال عاطفاً على ﴿ألم يروا﴾ :﴿أولم ير﴾ أي يعلم علماً هو في ظهوره كالمحسوس بالبصر.
ولما كان هذا المثل الذي قاله هذا الكافر لا يرضاه حمار لو نطق، أشار إلى غباوته بالتعبير بالإنسان الذي هو - وإن كان أفطن المخلوقات لما ركب فيه سبحانه من العقل - تغلب عليه الإنس بنفسه حتى يصير مثلاً فقال: ﴿الإنسان﴾ أي جنسه منهم ومن غيرهم وإن كان الذي نزلت فيه واحداً ﴿أنا خلقناه﴾ بما لنا من العظمة ﴿من نطفة﴾ أي شيء يسير حقير من ماء لا انتفاع به بعد إبداعنا أباه من تراب وأمه من لحم وعظام ﴿فإذا هو﴾ أي فتسبب عن خلقنا له من ذلك المفاجأة لحالة هي أبعد شيء من حالة المطفة وهي أنه ﴿خصيم﴾ أي بالغ الخصومة ﴿مبين *﴾ أي في غاية البيان عما يريده حتى أنه ليجادل من أعطاء العقل والقدرة في قدرته، أنشد الأستاذ أبو القاسم القشيري في ذلك:
أعلمه الرماية كل يوم | فلما اشتد ساعده رماني |